الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في هذه الآية وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون المعنى : ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين تقصدون إلا وجه الله ، فقد علم الله هذا من قلوبكم ، فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك [ ص: 69 ] وجه الله في صلة رحم وسد خلة مضطر ؛ وليس عليكم اهتداؤهم حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن هذا وإن كان ظاهره خبرا إلا أن معناه نهي ، أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ، وورد الخبر بمعنى الأمر والنهي كثيرا ، قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن ) [البقرة : 233] ( والمطلقات يتربصن ) [البقرة : 228].

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن قوله : ( وما تنفقون ) أي ولا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح حتى تبتغوا بذلك وجه الله .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ذكر في الوجه في قوله : ( إلا ابتغاء وجه الله ) قولان : أحدهما : أنك إذا قلت : فعلته لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من قولك : فعلته له ؛ لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ، ثم كثر حتى صار يعبر عن الشرف بهذا اللفظ . والثاني : أنك إذا قلت : فعلت هذا الفعل له فههنا يحتمل أن يقال : فعلته له ولغيره أيضا ، أما إذا قلت فعلت هذا الفعل لوجهه ، فهذا يدل على أنك فعلت الفعل له فقط وليس لغيره فيه شركة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير المسلم ، فتكون هذه الآية مختصة بصدقة التطوع ، وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة ، وأباه غيره ، وعن بعض العلماء : لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) أي يوف إليكم جزاؤه في الآخرة ، وإنما حسن قوله : ( إليكم ) مع التوفية لأنها تضمنت معنى التأدية .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وأنتم لا تظلمون ) أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا لقوله تعالى : ( آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ) [الكهف : 33] يريد لم تنقص .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية