nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين
أسماء الفاعلين هنا أوصاف للمؤمنين من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين فكان أصلها الجر ، ولكنها قطعت عن الوصفية وجعلت أخبارا لمبتدأ محذوف هو ضمير الجمع اهتماما بهذه النعوت اهتماما أخرجها عن الوصفية إلى الخبرية ، ويسمى هذا الاستعمال نعتا مقطوعا ، وما هو بنعت اصطلاحي ولكنه نعت في المعنى .
فـ التائبون مراد منه أنهم مفارقون للذنوب سواء كان ذلك من غير اقتراف ذنب يقتضي التوبة كما قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117لقد تاب الله على النبيء والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه الآية أم كان بعد اقترافه كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فإن يتوبوا يك خيرا لهم بعد قوله :
[ ص: 41 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم الآية المتقدمة آنفا . وأول التوبة الإيمان لأنه إقلاع عن الشرك ، ثم يدخل منهم من كان له ذنب مع الإيمان وتاب منه . وبذلك فارق النعت المنعوت وهو المؤمنين
و العابدون : المؤدون لما أوجب الله عليهم .
و الحامدون : المعترفون لله - تعالى - بنعمه عليهم الشاكرون له .
و السائحون : مشتق من السياحة . وهي السير في الأرض . والمراد به سير خاص محمود شرعا . وهو السفر الذي فيه قربة لله وامتثال لأمره ، مثل سفر الهجرة من دار الكفر أو السفر للحج أو السفر للجهاد . وحمله هنا على السفر للجهاد أنسب بالمقام وأشمل للمؤمنين المأمورين بالجهاد بخلاف الهجرة والحج .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الراكعون الساجدون : هم الجامعون بينهما ، أي المصلون ، إذ الصلاة المفروضة لا تخلو من الركوع والسجود .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112nindex.php?page=treesubj&link=18305_18304_28980الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر : الذين يدعون الناس إلى الهدى والرشاد وينهونهم عما ينكره الشرع ويأباه . وإنما ذكر الناهون عن المنكر بحرف العطف دون بقية الصفات ، وإن كان العطف وتركه في الأخبار ونحوها جائزين ، إلا أن المناسبة في عطف هذين دون غيرهما من الأوصاف أن الصفات المذكورة قبلها في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الراكعون الساجدون ظاهرة في استقلال بعضها عن بعض . ثم لما ذكر
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الراكعون الساجدون علم أن المراد الجامعون بينهما ، أي المصلون بالنسبة إلى المسلمين . ولأن الموصوفين بالركوع والسجود ممن وعدهم الله في التوراة والإنجيل كانت صلاة بعضهم ركوعا فقط ، قال - تعالى - في شأن
داود - عليه السلام -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24وخر راكعا وأناب ، وبعض الصلوات سجودا فقط كبعض صلاة النصارى ، قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين . ولما جاء بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وكانا صفتين مستقلتين عطفتا بالواو لئلا يتوهم اعتبار الجمع بينهما كالوصفين اللذين قبلهما وهما
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الراكعون الساجدون فالواو هنا كالتي في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثيبات وأبكارا [ ص: 42 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والحافظون لحدود الله : صفة جامعة للعمل بالتكاليف الشرعية عند توجهها . وحقيقة الحفظ توخي بقاء الشيء في المكان الذي يراد كونه فيه رغبة صاحبه في بقائه ورعايته عن أن يضيع . ويطلق مجازا شائعا على ملازمة العمل بما يؤمر به على نحو ما أمر به وهو المراد هنا ، أي والحافظون لما عين الله لهم ، أي غير المضيعين لشيء من حدود الله .
وأطلقت الحدود مجازا على الوصايا والأوامر . فالحدود تشمل العبادات والمعاملات لما تقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تلك حدود الله فلا تعتدوها في سورة البقرة . ولذلك ختمت بها هذه الأوصاف . وعطفت بالواو لئلا يوهم ترك العطف أنها مع التي قبلها صفتان متلازمتان معدودتان بعد صفة الأمر بالمعروف .
وقال جمع من العلماء : إن الواو في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والناهون عن المنكر واو يكثر وقوعها في كلام العرب عند ذكر معدود ثامن ، وسموها واو الثمانية . قال
ابن عطية : ذكرها
ابن خالويه في مناظرته
لأبي علي الفارسي في معنى قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها . وأنكرها
أبو علي الفارسي . وقال
ابن هشام في مغني اللبيب : " وذكرها جماعة من الأدباء
كالحريري ، ومن المفسرين
كالثعلبي ، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا : ستة سبعة وثمانية ، إيذانا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف ، واستدلوا بآيات إحداها
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم إلى قوله - سبحانه -
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سبعة وثامنهم كلبهم . ثم قال : الثانية آية الزمر إذ قيل فتحت في آية النار لأن أبواب جهنم سبعة وفتحت في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية . ثم قال : الثالثة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والناهون عن المنكر فإنه الوصف الثامن . ثم قال : والرابعة : وأبكارا في آية التحريم ذكرها
القاضي الفاضل وتبجح باستخراجها وقد سبقه إلى ذكرها
الثعلبي . . . وأما قول
الثعلبي : أن منها الواو في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سبع ليال وثمانية أيام حسوما فسهو بين وإنما هذه واو العطف " اهـ . وأطال في خلال كلامه بردود ونقوض .
وقال
ابن عطية وحدثني أبي عن الأستاذ النحوي
أبي عبد الله الكفيف المالقي وأنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا : واحد ، اثنان ،
[ ص: 43 ] ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، تسعة ، عشرة ، فهكذا هي لغتهم . ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو اهـ .
وقال
القرطبي : هي لغة
قريش .
وأقول : كثر الخوض في هذا المعنى للواو إثباتا ونفيا ، وتوجيها ونقضا . والوجه عندي أنه استعمال ثابت ، فأما في المعدود الثامن فقد اطرد في الآيات القرآنية المستدل بها . ولا يريبك أن بعض المقترن بالواو فيها ليس بثامن في العدة لأن العبرة بكونه ثامنا في الذكر لا في الرتبة .
وأما اقتران الواو بالأمر الذي فيه معنى الثامن كما قالوا في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وفتحت أبوابها . فإن مجيء الواو لكون أبواب الجنة ثمانية ، فلا أحسبه إلا نكتة لطيفة جاءت اتفاقية . وسيجيء هذا عند قوله - تعالى - في سورة الزمر
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وبشر المؤمنين عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين عطف إنشاء على خبر . ومما حسنه أن المقصود من الخبر المعطوف عليه العمل به فأشبه الأمر . والمقصود من الأمر بتبشيرهم إبلاغهم فكان كلتا الجملتين مرادا منها معنيان خبري وإنشائي . فالمراد بالمؤمنين هم المؤمنون المعهودون من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
والبشارة تقدمت مرارا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
أَسْمَاءُ الْفَاعِلِينَ هُنَا أَوْصَافٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ أَصْلُهَا الْجَرَّ ، وَلَكِنَّهَا قُطِعَتْ عَنِ الْوَصْفِيَّةِ وَجُعِلَتْ أَخْبَارًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ اهْتِمَامًا بِهَذِهِ النُّعُوتِ اهْتِمَامًا أَخْرَجَهَا عَنِ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الْخَبَرِيَّةِ ، وَيُسَمَّى هَذَا الِاسْتِعْمَالُ نَعْتًا مَقْطُوعًا ، وَمَا هُوَ بِنَعْتٍ اصْطِلَاحِيٍّ وَلَكِنَّهُ نَعْتٌ فِي الْمَعْنَى .
فَـ التَّائِبُونَ مُرَادٌ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُفَارِقُونَ لِلذُّنُوبِ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَافِ ذَنْبٍ يَقْتَضِي التَّوْبَةَ كَمَا قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيءِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الْآيَةَ أَمْ كَانَ بَعْدَ اقْتِرَافِهِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِ :
[ ص: 41 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ آنِفًا . وَأَوَّلُ التَّوْبَةِ الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ إِقْلَاعٌ عَنِ الشِّرْكِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ وَتَابَ مِنْهُ . وَبِذَلِكَ فَارَقَ النَّعْتُ الْمَنْعُوتَ وَهُوَ الْمُؤْمِنِينَ
وَ الْعَابِدُونَ : الْمُؤَدُّونَ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَ الْحَامِدُونَ : الْمُعْتَرِفُونَ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمُ الشَّاكِرُونَ لَهُ .
وَ السَّائِحُونَ : مُشْتَقٌّ مِنَ السِّيَاحَةِ . وَهِيَ السَّيْرُ فِي الْأَرْضِ . وَالْمُرَادُ بِهِ سَيْرٌ خَاصٌّ مَحْمُودٌ شَرْعًا . وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي فِيهِ قُرْبَةٌ لِلَّهِ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ ، مِثْلُ سَفَرِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ أَوِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ أَوِ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ . وَحَمْلُهُ هُنَا عَلَى السَّفَرِ لِلْجِهَادِ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ وَأَشْمَلُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِالْجِهَادِ بِخِلَافِ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ : هُمُ الْجَامِعُونَ بَيْنَهُمَا ، أَيِ الْمُصَلُّونَ ، إِذِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَخْلُو مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112nindex.php?page=treesubj&link=18305_18304_28980الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ : الَّذِينَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْهُدَى وَالرَّشَادِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ وَيَأْبَاهُ . وَإِنَّمَا ذُكِرَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ دُونَ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ وَتَرْكُهُ فِي الْأَخْبَارِ وَنَحْوِهَا جَائِزَيْنِ ، إِلَّا أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي عَطْفِ هَذَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَوْصَافِ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ظَاهِرَةٌ فِي اسْتِقْلَالِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ . ثُمَّ لَمَّا ذُكِرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُونَ بَيْنَهُمَا ، أَيِ الْمُصَلُّونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ . وَلِأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِمَّنْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَانَتْ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ رُكُوعًا فَقَطْ ، قَالَ - تَعَالَى - فِي شَأْنِ
دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ، وَبَعْضُ الصَّلَوَاتِ سُجُودًا فَقَطْ كَبَعْضِ صَلَاةِ النَّصَارَى ، قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ . وَلَمَّا جَاءَ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَكَانَا صِفَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عُطِفَتَا بِالْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَالْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا وَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ فَالْوَاوُ هُنَا كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [ ص: 42 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ : صِفَةٌ جَامِعَةٌ لِلْعَمَلِ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ تَوَجُّهِهَا . وَحَقِيقَةُ الْحِفْظِ تَوَخِّي بَقَاءِ الشَّيْءِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُرَادُ كَوْنُهُ فِيهِ رَغْبَةُ صَاحِبِهِ فِي بَقَائِهِ وَرِعَايَتِهِ عَنْ أَنْ يَضِيعَ . وَيُطْلَقُ مَجَازًا شَائِعًا عَلَى مُلَازَمَةِ الْعَمَلِ بِمَا يُؤْمَرُ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، أَيْ وَالْحَافِظُونَ لِمَا عَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ ، أَيْ غَيْرِ الْمُضَيِّعِينَ لِشَيْءٍ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ .
وَأُطْلِقَتِ الْحُدُودُ مَجَازًا عَلَى الْوَصَايَا وَالْأَوَامِرِ . فَالْحُدُودُ تَشْمَلُ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَلِذَلِكَ خُتِمَتْ بِهَا هَذِهِ الْأَوْصَافُ . وَعُطِفَتْ بِالْوَاوِ لِئَلَّا يُوهِمَ تَرْكُ الْعَطْفِ أَنَّهَا مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا صِفَتَانِ مُتَلَازِمَتَانِ مَعْدُودَتَانِ بَعْدَ صِفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ .
وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاوٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عِنْدَ ذِكْرِ مَعْدُودٍ ثَامِنٍ ، وَسَمَّوْهَا وَاوَ الثَّمَانِيَةِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ذَكَرَهَا
ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي مُنَاظَرَتِهِ
لِأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . وَأَنْكَرَهَا
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ . وَقَالَ
ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ : " وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُدَبَاءِ
كَالْحَرِيرِيِّ ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ
كَالثَّعْلَبِيِّ ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَدُّوا قَالُوا : سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ ، إِيذَانًا بِأَنَّ السَّبْعَةَ عَدَدٌ تَامٌّ وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا عَدَدٌ مُسْتَأْنَفٌ ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَاتٍ إِحْدَاهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ . ثُمَّ قَالَ : الثَّانِيَةُ آيَةُ الزُّمَرِ إِذْ قِيلَ فُتِحَتْ فِي آيَةِ النَّارِ لِأَنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ سَبْعَةٌ وَفُتِحَتْ فِي آيَةِ الْجَنَّةِ إِذْ أَبْوَابُهَا ثَمَانِيَةٌ . ثُمَّ قَالَ : الثَّالِثَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَإِنَّهُ الْوَصْفُ الثَّامِنُ . ثُمَّ قَالَ : وَالرَّابِعَةُ : وَأَبْكَارًا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ ذَكَرَهَا
الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَتَبَجَّحَ بِاسْتِخْرَاجِهَا وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى ذِكْرِهَا
الثَّعْلَبِيُّ . . . وَأَمَّا قَوْلُ
الثَّعْلَبِيِّ : أَنَّ مِنْهَا الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَسَهْوٌ بَيِّنٌ وَإِنَّمَا هَذِهِ وَاوُ الْعَطْفِ " اهـ . وَأَطَالَ فِي خِلَالِ كَلَامِهِ بِرُدُودٍ وَنُقُوضٍ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْأُسْتَاذِ النَّحْوِيِّ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكَفِيفِ الْمَالِقِيِّ وَأَنَّهُ قَالَ : هِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إِذَا عَدُّوا : وَاحِدٌ ، اثْنَانِ ،
[ ص: 43 ] ثَلَاثَةٌ ، أَرْبَعَةٌ ، خَمْسَةٌ ، سِتَّةٌ ، سَبْعَةٌ ، وَثَمَانِيَةٌ ، تِسْعَةٌ ، عَشَرَةٌ ، فَهَكَذَا هِيَ لُغَتُهُمْ . وَمَتَى جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ أَمْرُ ثَمَانِيَةٍ أَدْخَلُوا الْوَاوَ اهـ .
وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : هِيَ لُغَةُ
قُرَيْشٍ .
وَأَقُولُ : كَثُرَ الْخَوْضُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلْوَاوِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا ، وَتَوْجِيهًا وَنَقْضًا . وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ ثَابِتٌ ، فَأَمَّا فِي الْمَعْدُودِ الثَّامِنِ فَقَدِ اطَّرَدَ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْمُسْتَدَلِّ بِهَا . وَلَا يَرِيبُكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُقْتَرِنِ بِالْوَاوِ فِيهَا لَيْسَ بِثَامِنٍ فِي الْعَدَّةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِهِ ثَامِنًا فِي الذِّكْرِ لَا فِي الرُّتْبَةِ .
وَأَمَّا اقْتِرَانُ الْوَاوِ بِالْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الثَّامِنِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . فَإِنَّ مَجِيءَ الْوَاوِ لِكَوْنِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةً ، فَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا نُكْتَةً لَطِيفَةً جَاءَتِ اتِّفَاقِيَّةً . وَسَيَجِيءُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الزُّمَرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَطْفَ إِنْشَاءٍ عَلَى خَبَرٍ . وَمِمَّا حَسَّنَهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخَبَرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَمْرَ . وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَمْرِ بِتَبْشِيرِهِمْ إِبْلَاغُهُمْ فَكَانَ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مُرَادًا مِنْهَا مَعْنَيَانِ خَبَرِيٌّ وَإِنْشَائِيٌّ . فَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمَعْهُودُونَ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
وَالْبِشَارَةُ تَقَدَّمَتْ مِرَارًا .