القول في تأويل قوله تعالى :
[ 23 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم أي : في هؤلاء الصم البكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23خيرا صدقا ورغبة ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23لأسمعهم أي : الحجج والمواعظ ، سماع تفهم وتدبر ، أي : لجعلهم سامعين حتى يسمعوا سماع المصدقين ، أي : ولكن لم يعلم الله فيهم شيئا من ذلك ، لخلوهم عنه بالمرة ، فلم يسمعهم كذلك ، لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة ، وإليه أشير بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو أسمعهم لتولوا أي : ولو أسمعهم سماع تفهم ، وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية ، لتولوا عما سمعوه من الحق .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وهم معرضون أي : عن قبوله جحودا وعنادا .
قال
الرازي : كل ما كان حاصلا ، فإنه يجب أن يعلمه الله ، فعدم علم الله بوجوده ، من لوازم عدمه ، فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده .
تنبيه :
قد يتوهم أن الشرطيتين في الآية مقدمتا قياس اقتراني ، هكذا : لو علم فيهم خيرا لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا ، ينتج : لو علم فيهم خيرا لتولوا ، وفساده بين .
وأجيب : بأنه إنما يلزم النتيجة الفاسدة لو كانت الثانية كلية ، وهو ممنوع .
واعترض بأن هذا المنع ، وإن صح في قانون النظر ، إلا أنه خطأ في تفسير الآية ، لابتنائه على أن المذكور قياس مفقود
[ ص: 2973 ] شرائط الإنتاج ، ولا مساغ لحمل كلام الله عليه .
وأجيب : بأن المراد منع كون القصد إلى ترتيب قياس ، لانتفاء شرط ، لا أنه قياس فقد شرطه ، كما أنه يمنع منه عدم تكرار الوسط أيضا ، وإنما المقصود من المقدمة الثانية تأكيد الأولى ، إذ مآله إلى أنه انتفى الإسماع ، لعدم الخيرية فيهم ، ولو وقع الإسماع ، لا تحصل الخيرية فيهم ، لعدم قابلية المحل . كذا في " العناية " .
وقد حاول بعضهم تصحيح كونها قياسا شرطيا ، متحد الوسط ، صحيح الإنتاج ، بتقدير : لو علم فيهم خيرا في وقت ، لتولوا بعده .
وقوله تعالى
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 23 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ أَيْ : فِي هَؤُلَاءِ الصُّمِّ الْبُكْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23خَيْرًا صِدْقًا وَرَغْبَةً ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23لأَسْمَعَهُمْ أَيِ : الْحُجَجَ وَالْمَوَاعِظَ ، سَمَاعَ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ ، أَيْ : لَجَعَلَهُمْ سَامِعِينَ حَتَّى يَسْمَعُوا سَمَاعَ الْمُصَدِّقِينَ ، أَيْ : وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، لِخُلُوِّهِمْ عَنْهُ بِالْمَرَّةِ ، فَلَمْ يُسْمِعْهُمْ كَذَلِكَ ، لِخُلُوِّهِ عَنِ الْفَائِدَةِ وَخُرُوجِهِ عَنِ الْحِكْمَةِ ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا أَيْ : وَلَوْ أَسْمَعُهُمْ سَمَاعَ تَفَهُّمٍ ، وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الْعَارِيَةِ عَنِ الْخَيْرِ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَتَوَلَّوْا عَمَّا سَمِعُوهُ مِنَ الْحَقِّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَهُمْ مُعْرِضُونَ أَيْ : عَنْ قَبُولِهِ جُحُودًا وَعِنَادًا .
قَالَ
الرَّازِيُّ : كُلُّ مَا كَانَ حَاصِلًا ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَهُ اللَّهُ ، فَعَدَمُ عِلْمِ اللَّهِ بِوُجُودِهِ ، مِنْ لَوَازِمِ عَدَمِهِ ، فَلَا جَرَمَ حَسُنَ التَّعْبِيرُ عَنْ عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ بِعَدَمِ عِلْمِ اللَّهِ بِوُجُودِهِ .
تَنْبِيهٌ :
قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الشَّرْطِيَّتَيْنِ فِي الْآيَةِ مُقَدِّمَتَا قِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ ، هَكَذَا : لَوْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ، يَنْتِجُ : لَوْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا لَتَوَلَّوْا ، وَفَسَادُهُ بَيِّنٌ .
وَأُجِيبُ : بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ النَّتِيجَةَ الْفَاسِدَةَ لَوْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ كُلِّيَّةً ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ ، وَإِنْ صَحَّ فِي قَانُونِ النَّظَرِ ، إِلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، لِابْتِنَائِهِ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ قِيَاسٌ مَفْقُودُ
[ ص: 2973 ] شَرَائِطِ الْإِنْتَاجِ ، وَلَا مَسَاغَ لِحَمْلِ كَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَأُجِيبُ : بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ كَوْنِ الْقَصْدِ إِلَى تَرْتِيبِ قِيَاسٍ ، لِانْتِفَاءِ شَرْطٍ ، لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَقَدَ شَرْطَهُ ، كَمَا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ عَدَمُ تَكْرَارِ الْوَسَطِ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدُ الْأُولَى ، إِذْ مَآلُهُ إِلَى أَنَّهُ انْتَفَى الْإِسْمَاعُ ، لِعَدَمِ الْخَيْرِيَّةِ فِيهِمْ ، وَلَوْ وَقَعَ الْإِسْمَاعُ ، لَا تَحْصُلُ الْخَيْرِيَّةُ فِيهِمْ ، لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّ . كَذَا فِي " الْعِنَايَةِ " .
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ تَصْحِيحَ كَوْنِهَا قِيَاسًا شَرْطِيًّا ، مُتَّحِدَ الْوَسَطِ ، صَحِيحَ الْإِنْتَاجِ ، بِتَقْدِيرِ : لَوْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا فِي وَقْتٍ ، لَتَوَلَّوْا بَعْدَهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى