الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا تجبر سائر السنن ) أي باقيها بالسجود على الأصل [ ص: 174 ] لأنها ليست في معنى الوارد فإن سجد لشيء منها بطلت صلاته إلا أن يسهو أو يعذر بجهله واستشكل بأن الجاهل لا يعرف مشروعية سجود السهو ومن عرفه عرف محله أي يقتضيه ويرد بمنع هذا التلازم ؛ لأن الجاهل قد يسمع مشروعية سجود السهو قبيل السلام لا غير فيظن عمومه لكل سنة وأولت محله بما ذكر ؛ لأنه الذي نحن فيه وإلا لم يبق للإشكال وجه أصلا ثم رأيت شارحا فهمه على ظاهره وأجاب عنه بما لا يلاقي ما نحن فيه إذ الكلام ليس في سجوده في غير محله وهو قبيل السلام بل في سجوده في محله لكن لنحو تسبيح الركوع فتعين ما ذكرته ( والثاني ) أي فعل المنهي عنه من حيث هو ( إن لم يبطل عمده ) الصلاة ( كالالتفات والخطوتين لم يسجد لسهوه ) ولا لعمده غالبا ما يأتي من المستثنيات ( وإلا ) بأن أبطل عمده كركعة زائدة ( سجد ) لسهوه { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو } متفق عليه هذا ( إن لم تبطل ) الصلاة ( بسهوه ) فإن بطلت بسهوه ( ككلام كثير ) فإنه يبطلها ( في الأصح ) كما مر لم يسجد ؛ لأنه ليس في صلاة ففي الأصح راجع للمثال لا للحكم .

                                                                                                                              واستثني من هذه القاعدة ما لو حول المتنفل دابته عن صوب مقصده سهوا ثم عاد فورا فإنه لا يسجد لسهوه على المعتمد مع أن عمده مبطل ويفرق بينه وبين سجوده لجموحها وعودها فورا بأنه هنا مقصر بركوبه الجموح أو بعدم ضبطها بخلاف الناسي فخفف عنه لمشقة السفر ، وإن قصر وما لو سها بترك السلام فإنه لا يسجد لسهوه مع إبطال تعمده ورد بأنه إن تركه وفعل منافيا فهو المبطل وإلا فهو سكوت وهو غير مبطل ، وإن طال وما لو سها بعد سجود السهو فسجد للسهو ساهيا فإنه لا يسجد لهذا السجود مع إبطال عمده ( وتطويل الركن القصير ) بأن يزيد على قدر ذكر الاعتدال المشروع فيه في تلك الصلاة بالنسبة للوسط المعتدل لا لحال المصلي فيما يظهر قدر الفاتحة ذاكرا كان أو ساكتا وعلى قدر ذكر الجلوس بين السجدتين المشروع فيه كذلك قدر التشهد الواجب وقولي في تلك الصلاة ليس المراد به من حيث ذاتها بل من حيث الحالة الراهنة فلو كان إماما لا تسن له الأذكار التي تسن للمنفرد اعتبر التطويل في حقه بتقدير كونه منفردا [ ص: 175 ] على الأول وبالنظر لما يشرع له الآن من الذكر على الثاني وهو الأقرب لكلامهم ( يبطل عمده ) الصلاة ( في الأصح ) لأنه مغير لموضوعه إذ هو غير مقصود في نفسه وإنما شرع للفصل أي بين المقدمة والركوع أو شبهها وهو السجود الثاني لما مر أنه شكر لما أهل له من القرب بالسجود الأول وبين المقصود بالذات وهو السجود الأول فيهما وخرج بقولي المشروع فيه إلخ تطويله بقدر القنوت في محله أو التسبيح في صلاته أو القراءة في الكسوف فلا يؤثر واختير جواز تطويلهما لصحة الأحاديث فيه ومن ثم كان الأكثرون عليه وصححه في التحقيق في موضع وقد يتمحل للمعتمد بأنها وقائع فعلية محتملة ( فيسجد لسهوه ) وإن قلنا لا يبطل عمده لتركه التحفظ المأمور به على التأكيد .

                                                                                                                              ( فالاعتدال قصير ) لما مر أنه للفصل بدليل أنه لم يجب فيه ذكر مع أنه عادي ومن ثم لما كان القيام وجلوس التشهد الأخير عاديين وجب لهما ذكر صرفا لهما عن العادة بخلاف نحو الركوع ووجوب الطمأنينة فيه ليحصل الخشوع والسكينة المطلوبان في الصلاة ( وكذا الجلوس بين السجدتين في الأصح ) لما ذكر في الاعتدال حرفا بحرف بل هو أولى ؛ لأن ذكره أقصر فإن قلت ما وجه اختصاص الخلاف بهذا قلت لأن بعده جلوس طويل في نفسه يشبهه وهو جلوس التشهد أو الاستراحة بناء على أنه طويل فأمكن قياسه عليه والاعتدال ليس بعده طويل يشبهه ، هذا وظاهر ما مر عن الأكثرين أن الخلاف فيهما فينافي المتن مع كونه على طبق عبارة المجموع إلا أن يجاب بأن جريانه فيهما لا يقتضي أنه في الجلوس أقوى فذاك من حيث أصل جريانه فيعمهما ، وهذا من حيث قوة الخلاف وهو مختص بالثاني ووجهه ما تقرر أن بعده طويل يشبهه بخلاف الاعتدال ولا ينافي ما تقرر من أنهما غير [ ص: 176 ] مقصودين فلا يطولان لما وقع في عبارات أنهما مقصودان ؛ لأن معناه أنه لا بد من وجود صورتهما مع عدم الصارف لهما كما مر .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فإن سجد لشيء منها إلخ ) عبارة شرح الروض فإن سجد لشيء منها ظانا جوازه بطلت صلاته إلا لمن قرب عهده بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء قاله البغوي في فتاويه ( قوله : من حيث هو ) أي لا بقيد السجود له ( قوله : راجع للمثال ) أي : لبطلان الصلاة بكثير الكلام سهوا ، وقوله : لا الحكم أي عدم السجود ( قوله : على المعتمد ) وهو ما صححه في المجموع لكن الذي صححه الرافعي في الشرح الصغير أنه يسجد وقال شيخنا الشهاب الرملي إنه المعتمد م ر ( قوله : ورد ) أي : قوله مع إلخ [ ص: 175 ] قوله : وهو الأقرب ) مثله في شرح م ر ( قوله : وخرج بقولي إلخ ) ما طريق الخروج ؟ ( قوله : بقدر القنوت ) قد يدل على ضرر الزيادة على قدر القنوت الوارد ويتجه خلافه ؛ لأنه لا يتعين للقنوت ذكر ولا دعاء مخصوص ولا حد للذكر ، والدعاء فله أن يطيل بما شاء منهما ، بل يتجه وكذا بالسكوت ، فليتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لأنها ليست في معنى الوارد ) أي حتى تقاس عليه ( قوله أو يعذر بجهله ) أي بأن يكون قريب عهد بالإسلام أو بعيدا عن العلماء قاله البغوي في فتاويه مغني ونقل سم عن الأسنى مثله وأقره وعبارة الرشيدي أي بأن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء ؛ لأن هذا مرادهم بالجاهل المعذور خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ع ش ا هـ عبارته وقضية إطلاق الجهل أنه لا فرق بين قريب العهد بالإسلام وغيره وقيده البرماوي نقلا عن البغوي بقريب العهد بالإسلام وعبر به في العباب أيضا لكن لم ينقله عن أحد ولعل الأقرب ما اقتضاه كلام الشارح م ر فإن مثل هذا مما لا يخفى فلا يفرق فيه بين قريب العهد بالإسلام وغيره ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من حيث هو ) أي لا بقيد السجود له س م ( قوله ولا لعمده ) إلى قول المتن وتطويل إلخ في النهاية والمغني إلا قوله ما لو حول إلى وما لو سها بعد سجود ( قوله لما يأتي ) أي من قول المتن ولو نقل ركنا قوليا إلخ وما زاده الشارح هناك ( قوله كركعة زائدة ) أي أو ركوع أو سجود أو قليل أكل أو كلام مغني ( قوله لأنه صلى الله عليه وسلم { صلى الظهر } إلخ ) أي ويقاس غير ذلك عليه مغني ( قوله هذا إن لم تبطل الصلاة بسهوه ) أي كالأمثلة المذكورة مغني .

                                                                                                                              ( قوله ففي الأصح ) أي قول المصنف في الأصح ( قوله راجع للمثال ) أي لبطلان الصلاة بكثير الكلام سهوا و ( قوله لا الحكم ) أي عدم السجود سم وعبارة النهاية والمغني ففي الأصح راجع للمثال وهو الكلام الكثير لا الحكم وهو قوله سجد ولو سكت عن المثال لكان أخصر وأبعد عن الإيهام إذ لا سجود مع الحكم بالبطلان ا هـ أي بالاتفاق ( قوله من هذه القاعدة ) أي المأخوذة من قوله وإلا سجد إلخ وهي ما يبطل عمده دون سهوه يسجد لسهوه ( قوله فإنه لا يسجد إلخ ) هذا ما صححه في المجموع وغيره والمعتمد كما مر في فصل الاستقبال أنه يسجد له وصححه الرافعي في شرحه الصغير وجزم به ابن المقري في روضه وقال الإسنوي إنه القياس وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي نهاية ومغني وسم واعتمده شرح المنهج أيضا ( قوله على المعتمد ) خلافا للنهاية والمغني وشرح المنهج كما مر آنفا ( قوله ورد ) أي قوله مع إلخ سم .

                                                                                                                              ( قوله وما لو سها بعد سجود السهو ) أي بأن تكلم ناسيا مثلا ع ش ( قوله لهذا السجود ) أي الذي فعله ساهيا ( قوله بأن يزيد ) إلى قوله وقولي في المغني إلا قوله في تلك الصلاة إلى قدر الفاتحة وإلى قول المتن فيسجد في النهاية إلا قوله أي بين المقدمة إلى وخرج ( قوله ذاكرا كان إلخ ) أي أو قارئا نهاية ( قوله كذلك ) أي في تلك الصلاة بالنسبة إلخ ( قوله ليس المراد إلخ ) الأنسب لقوله الآتي وهو الأقرب إلخ أن يقول كما في النهاية يحتمل أن يراد به من حيث [ ص: 175 ] ذاتها أو من حيث إلخ ( قوله على الأول ) أي من حيث ذاتها و ( قوله على الثاني ) أي من حيث الحالة الراهنة ( قوله لما مر ) أي في أركان الصلاة كردي ( قوله أنه إلخ ) أي السجود الثاني ( قوله وبين المقصود إلخ ) عطف على قوله بين المقدمة ( قوله و خرج ) إلى قول المتن فالاعتدال في المغني إلا قوله وقد يتمحل إلى المتن .

                                                                                                                              ( قوله وخرج إلخ ) ما طريق الخروج ؟ سم وأشار الكردي إلى الجواب عنه بما نصه أي وخرج عن التطويل المبطل بسبب قولي إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله تطويله إلخ ) بل له أن يطيله بما شاء من الذكر والدعاء وكذا بالسكوت سم أي لما قدمه الشارح في صفة الصلاة أن تطويل اعتدال الركعة الأخيرة بذكر أو دعاء غير مبطل مطلقا وإنه مستثنى من البطلان بتطويل القصير زائدا على قدر المشروع فيه بقدر الفاتحة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بقدر القنوت ) أي المشروع فيه ولعل المراد القنوت مع ما يتقدم عليه من الأذكار المشروعة رشيدي أقول بل يصرح بذلك المراد قول الشارح المتقدم بأن يزيد إلخ ( قوله في محله ) أي المشروع هو فيه بالأصالة وهو ثانية الصبح وأخيرة الوتر في النصف الثاني من رمضان وأخيرة سائر المكتوبات في النازلة كما في حاشية الشيخ ع ش ويدل له قول الشارح م ر الآتي في شرح وعلى هذا تستثنى هذه الصورة من قولنا إلخ ويمكن حمله إلخ فالشارح مخالف لما أفتى به الشهاب ابن حجر من أن المراد بمحله اعتدال أخيرة سائر المكتوبات رشيدي وتقدم عن الشارح آنفا ما يفيد أن محله اعتدال الأخيرة مطلقا ولو في النفل ( قوله واختير إلخ ) كان ينبغي تأخيره عن قول المتن فالاعتدال قصير إلخ رشيدي ( قوله لصحة الأحاديث إلخ ) كخبر مسلم عن أنس قال { كان صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى يقول القائل قد نسي } مغني عبارة ع ش وفي سم على المنهج أن حديث أنس ورد في مسلم بتطويل الجلوس بين السجدتين أيضا ا هـ أي كما ورد بتطويل الاعتدال ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لتركه التحفظ إلخ ) تعليل للمتن فقط وإلا فلا ترك بالنسبة لمقابل الأصح المشار إليه بالغاية .

                                                                                                                              ( قوله لما مر ) أي آنفا ( قوله مع أنه عادي إلخ ) أي والعادي يجب فيه الذكر ومن ثم لما كان القيام إلخ ( قوله ووجوب الطمأنينة إلخ ) أي فلا يرد أن وجوب الطمأنينة ينافي ذلك أي كونه للفصل ع ش ( قوله فيه ) أي في الاعتدال ع ش ( قوله بهذا ) أي بالجلوس بين السجدتين ( قوله لأن بعده جلوس ) كذا في أصله بخطه رحمه الله تعالى واسم أن ضمير الشأن ، وقد يقال والاعتدال قبله بل هو أولى بهذا القياس ؛ لأن الشبه الطويل قبله مطرد بخلاف الجلوس بين السجدتين فإنه إنما يتأتى إذا عقبه جلوس تشهد وليس بمطرد ومن المعلوم أن التفاوت بالقبلية والبعدية لا يؤثر وبتسليم ذلك كله لا يخفى ضعفه بصري ( قوله بناء على أنه ) أي جلوس الاستراحة ( طويل ) أي والأصح خلافه كردي أي عند الشارح خلافا للنهاية والمغني والشهاب الرملي كما مر ( قوله وظاهر ما مر إلخ ) بل صريحه ( قوله أن الخلاف إلخ ) خبر قوله وظاهر إلخ ( قوله فينافي ) أي ما مر ( قوله مع كونه ) أي المتن ( قوله فذاك ) أي ما مر ( قوله وهذا ) أي ما في المتن ( قوله ما تقرر إلخ ) قد تقدم ما فيه ( قوله أن بعده طويل ) كذا في أصله أيضا بخطه رحمه الله تعالى ويوجه بنظير [ ص: 176 ] ما تقدم بصري ( قوله كما مر ) في أركان الصلاة كردي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية