الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 136 ] باب ما جاء في الميت ينقل أو ينبش لغرض صحيح

                                                                                                                                            1527 - ( عن جابر قال { : أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه } وفي رواية { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه } ، فالله أعلم وكان كسا عباسا قميصا قال سفيان : فيرون النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قميصه مكافأة بما صنع رواهما البخاري ) .

                                                                                                                                            1528 - ( وعن جابر قال { : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة } رواه الخمسة وصححه الترمذي )

                                                                                                                                            1529 - ( وعن جابر قال : دفن مع أبي رجل ، فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة رواه البخاري والنسائي ) ولمالك في الموطأ أنه سمع غير واحد يقول : إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها ولسعيد في سننه عن شريح بن عبيد الحضرمي أن رجالا قبروا صاحبا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنا ثم لقوا معاذ بن جبل فأخبروه فأمرهم أن يخرجوه ، فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ، ثم صلي عليه

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( عبد الله بن أبي ) يعني ابن سلول وهو رأس المنافقين ورئيسهم قوله : ( بعد ما دفن ) كان أهل عبد الله بن أبي بادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه وفيه دليل على جواز إخراج الميت من قبره إذا كان في ذلك مصلحة له من زيادة البركة عليه ونحوها قوله : ( فالله أعلم ) لفظ البخاري " والله أعلم " بالواو ، وكأن جابرا التبست عليه الحكمة في صنعه صلى الله عليه وسلم بعبد الله ذلك بعد ما تبين نفاقه قوله : { وكان كسا عباسا يعني ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يوم بدر لما أتي بالأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب ، فوجدوا قميص [ ص: 137 ] عبد الله بن أبي فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ، } هكذا ساقه البخاري في الجهاد ، فيمكن أن يكون هذا هو السبب في إلباسه صلى الله عليه وسلم قميصه

                                                                                                                                            ويمكن أن يكون السبب ما أخرجه البخاري أيضا في الجنائز أن عبد الله المذكور قال : { يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك } وفي رواية أنه قال : { أعطني قميصك أكفنه فيه } ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافأة ولا مانع من ذلك قوله : ( وكانوا نقلوا إلى المدينة ) فيه جواز إرجاع الشهيد إلى الموضع الذي أصيب فيه بعد نقله منه ، وليس في هذا أنهم كانوا دفنوا في المدينة ثم أخرجوا من القبور ونقلوا قوله : ( فلم تطب نفسي ) فيه دليل على أنه يجوز نبش الميت لأمر يتعلق بالحي ; لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه ، وقد بين جابر ذلك بقوله : " فلم تطب نفسي " ولكن هذا إن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بذلك أو قرره عليه وإلا فلا حجة في فعل الصحابي ، والرجل الذي دفن معه هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري وكان صديق والد جابر وزوج أخت هند بنت عمرو . روى ابن إسحاق في المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا } قوله : ( حتى أخرجته ) في لفظ للبخاري : " فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هنية في أذنه " وظاهر هذا يخالف ما في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو يعني والد جابر الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما وكانا في قبر واحد فحفر عنهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس ، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة

                                                                                                                                            وقد جمع ابن عبد البر بينهما بتعدد القصة قال في الفتح : وفيه نظر ; لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر .

                                                                                                                                            وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة ، فإما أن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة ، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد وقد أخرج نحو ما ذكره في الموطأ ابن إسحاق في المغازي وابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر بإسناد صحيح

                                                                                                                                            ومعنى قوله هنية : أي شيئا يسيرا وهي بنون بعدها تحتانية مصغرا وهو تصغير هنة قوله : ( فحملا إلى المدينة ) فيه جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه ، والأصل الجواز فلا يمنع من ذلك إلا لدليل قوله : ( فأمرهم أن يخرجوه . . . إلخ ) فيه أنه يجوز نبش الميت لغسله وتكفينه والصلاة عليه ، وهذا وإن كان قول صحابي ولا حجة فيه ولكن جعل الدفن مسقطا لما علم من وجوب غسل الميت أو تكفينه أو الصلاة عليه محتاج إلى دليل ولا دليل



                                                                                                                                            [ ص: 138 ] كتاب الزكاة الزكاة في اللغة : النماء ، يقال زكا الزرع : إذا نما ; وترد أيضا بمعنى التطهير وترد شرعا بالاعتبارين معا ، أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال ، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها ، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة ودليل الأول { ما نقص مال من صدقة } ; لأنها يضاعف ثوابها كما جاء { إن الله تعالى يربي الصدقة } وأما الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب قال في الفتح : وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها قال أبو بكر بن العربي : تطلق

                                                                                                                                            الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والعفو والحق ، وتعريفها في الشرع إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف بمانع شرعي يمنع من الصرف إليه ووجوب الزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعها فيكفر جاحدها وقد اختلف في الوقت الذي فرضت فيه ، فالأكثر أنه بعد الهجرة وقال ابن خزيمة : إنها فرضت قبل الهجرة واختلف الأولون ; فقال النووي : إن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة وقال ابن الأثير : في التاسعة ، قال في الفتح : وفيه نظر ; لأنها ذكرت في حديث ضمام بن ثعلبة ، وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ، وكذا في مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة ، وقال فيها : يأمرنا بالزكاة ، وقد أطال الكلام الحافظ على هذا في أوائل كتاب الزكاة من الفتح فليرجع إليه




                                                                                                                                            الخدمات العلمية