الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الآثم الفاجر ، روي أن عمر كان يعلم أعرابيا ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) [ الدخان : 43 ، 44 ] فكان يقول : طعام اليتيم ، فقال له عمر : طعام الفاجر . فهذا يدل على أن الإثم بمعنى الفجور .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال صاحب " الكشاف " : آثم خبر إن , وقلبه رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل فإنه يأثم قلبه , وقرئ " قلبه " بالفتح كقوله ( سفه نفسه ) [ البقرة : 130 ] وقرأ ابن أبي عبلة ( أثم قلبه ) أي جعله آثما .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اعلم أن كثيرا من المتكلمين قالوا . إن الفاعل والعارف والمأمور والمنهي هو القلب ، وقد استقصينا هذه المسألة في سورة الشعراء في تفسير قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) [ الشعراء :193 ، 194 ] وذكرنا طرفا منه في تفسير قوله : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) [ البقرة : 97 ] وهؤلاء يتمسكون بهذه الآية ويقولون : إنه تعالى أضاف الآثم إلى القلب فلولا أن القلب هو الفاعل وإلا لما كان آثما .

                                                                                                                                                                                                                                            وأجاب من خالف في هذا القول بأن إضافة الفعل إلى جزء من أجزاء البدن إنما يكون لأجل أن أعظم أسباب الإعانة على ذلك الفعل إنما يحصل من ذلك العضو ، فيقال : هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي ، ويقال : فلان خبيث الفرج ؛ ومن المعلوم أن أفعال الجوارح تابعة لأفعال القلوب ومتولدة مما يحدث في القلوب من الدواعي والصوارف ، فلما كان الأمر كذلك فلهذا السبب أضيف الآثم ههنا إلى القلب .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال عز وجل : ( والله بما تعملون عليم ) وهو تحذير من الإقدام على هذا الكتمان ؛ لأن المكلف إذا علم أنه لا يعزب عن علم الله ضمير قلبه كان خائفا حذرا من مخالفة أمر الله تعالى ، فإنه يعلم أنه تعالى يحاسبه على كل تلك الأفعال ، ويجازيه عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية