الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن يعني صداقهن وفيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أحل له لهذه الآية أزواجه الأول اللاتي كن معه قبل نزول هذه الآية قاله مجاهد . وأما إحلال غيرهن فلا؛ لقوله: لا يحل لك النساء من بعد

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه أحل له بهذه الآية سائر النساء ونسخ به قوله لا يحل لك النساء من بعد الثالث : أنه أحل بها من سماه فيها من النساء دون من لم يسمه من قوله .

                                                                                                                                                                                                                                        وما ملكت يمينك يعني الإماء .

                                                                                                                                                                                                                                        مما أفاء الله عليك يعني من الغنيمة فكان من الإماء مارية أم ابنه إبراهيم . ومما أفاء الله عليه صفية وجويرية أعتقهما وتزوج بهما .

                                                                                                                                                                                                                                        وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك قاله أبي بن كعب ثم قال : اللاتي هاجرن معك فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 414 ] أحدهما : يعني المسلمات .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : المهاجرات إلى المدينة . روى أبو صالح عن أم هانئ قالت : نزلت هذه الآية وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فنهي عني لأني لم أهاجر واختلف في الهجرة على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنها شرط في إحلال النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غريبة وقريبة حتى لا يجوز أن ينكح إلا بمهاجرة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها شرط في إحلال بنات عمه وعماته المذكورات في الآية . وليست شرطا في إحلال الأجنبيات .

                                                                                                                                                                                                                                        وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي اختلف أهل التأويل هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لم تكن عنده امرأة وهبت نفسها له ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وتأويل من قرأ إن وهبت بالكسر محمول على المستقبل .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه كانت عنده امرأة وهبت نفسها ، وهو قول الجمهور وتأويل من قرأ بالفتح أنه في امرأة بعينها متى وهبت نفسها حل له أن ينكحها ، ومن قرأ بالكسر أنه في كل امرأة وهبت نفسها أنه يحل له أن ينحكها . واختلف في التي وهبت نفسها له على أربعة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنها أم شريك بنت جابر بن ضباب ، وكانت امرأة صالحة ، قاله عروة بن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها خولة بنت حكيم ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنها ميمونة بنت الحارث ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 415 ] الرابع : أنها زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار . قاله الشعبي .

                                                                                                                                                                                                                                        إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين فيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن ينكحها بغير أمر ولي ولا مهر . وليس ذلك لأحد من المؤمنين ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن لا يلزمه لها صداق وليس ذلك لغيره من المؤمنين ، قاله أنس بن مالك وسعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنها خالصة له أن يملك عقد نكاحها بلفظ الهبة وليس ذلك لغيره من المؤمنين ، قاله الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : فرضنا ألا تتزوج امرأة إلا بولي وشاهدين .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : فرضنا ألا يتجاوز الرجل أربع نسوة ، وهذا قول مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : فرضنا عليهم لهن النفقة عليهن والقسم بينهن . قاله بعض الفقهاء .

                                                                                                                                                                                                                                        وما ملكت أيمانهم يعني أن يحللن له من غير عدد محصور ولا قسم مستحق لكيلا يكون عليك حرج فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه راجع إلى قوله : إنا أحللنا لك أزواجك قاله ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إلى قوله : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ويشبه أن يكون قول يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية