الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( فاذكروني ) في قلوبكم بما شرعت من أمر القبلة للفوائد الثلاث التي تقدم شرحها ، وبما أتممت عليكم من النعمة بإرسال رسول منكم يعلمكم ويزكيكم ، وبكل ما أنعمت عليكم من ثمرات ذلك ، ولا تنسوا أنني أنا المتفضل بإفاضة هذه النعم عليكم ( أذكركم ) بإدامتها وتمكينها والزيادة عليها من النصر والسلطان وغير ذلك من أسباب السعادة ، واذكروني بألسنتكم بأسمائي الحسنى ، والتحدث بنعمي التي لا تحصى ، والثناء علي بها سرا وجهرا ، أذكركم في الملأ الأعلى برضائي عنكم وقربي منكم . ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ( يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه ، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ) ) إلى آخر الحديث .

                          وقال الأستاذ الإمام : هذه الكلمة من الله تعالى كبيرة جدا كأنه يقول : إنني أعاملكم بما تعاملونني به ، وهو الرب ونحن العبيد ، وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه ; أي : وهذه أفضل تربية من الله تعالى لعباده : إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل ، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل . ثم بعد أن علمهم ما يحفظ النعم أرشدهم إلى ما يوجب المزيد بمقتضى الجود والكرم فقال : ( واشكروا لي ) هذه النعم بالعمل بها وتوجيهها إلى ما وجدت لأجله ( ولا تكفرون ) أي : لا تكفروا نعمي بإهمالها أو صرفها إلى غير ما وجدت لأجله بحسب الشرع والسنن الإلهية ، وهذا تحذير لهذه الأمة مما وقعت فيه الأمم السالفة إذ كفرت بنعم الله تعالى فحولت الدين عن قطبه الذي يدور عليه وهو الإخلاص وإسلام الوجه لله وحده والعمل الصالح المصلح للأفراد والاجتماع ، [ ص: 27 ] وعطلت ما أعطاها الله من مواهب المشاعر والعقل والملك فلم تستعملها فيما خلقت له ، وهكذا انحرفوا بكل شيء عن أصله ، فسلبهم الله ما كان وهبهم تأديبا لهم ولغيرهم ، ثم رحمهم بأن أرسل إليهم خاتم النبيين بهداية عامة تعرفهم وجه تلك العقوبات الإلهية وتحذرهم العود إلى أسبابها ، وقد امتثل المسلمون هذه الأوامر زمنا قصيرا فسعدوا ، ثم تركوها بالتدريج فحل بهم ما نرى كما قال : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( 14 : 7 ) فإذا عادوا عاد الله عليهم بما كان أعطى سلفهم وإلا كانوا من الهالكين .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية