الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا يشرب أصلا ) أي بول ما يؤكل لحمه لا يشرب أصلا لا للتداوي ولا لغيره ، وهذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يجوز للتداوي ; لأنه لما ورد الحديث به في قصة العرنيين جاز التداوي به ، وإن كان نجسا وقال محمد يجوز شربه مطلقا للتداوي وغيره لطهارته عنده ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله أنه [ ص: 122 ] نجس والتداوي بالطاهر المحرم كلبن الأتان فلا يجوز فما ظنك بالنجس ; ولأن الحرمة ثابتة فلا يعرض عنها إلا بتيقن الشفاء وتأويل ما روي في قصة العرنيين أنه عليه السلام عرف شفاءهم فيه وحيا ولم يوجد تيقن شفاء غيرهم ; لأن المرجع فيه الأطباء وقولهم ليس بحجة قطعية وجاز أن يكون شفاء قوم دون قوم لاختلاف الأمزجة حتى لو تعين الحرام مدفعا للهلاك الآن يحل كالميتة والخمر عند الضرورة ; ولأنه عليه السلام علم موتهم مرتدين وحيا ولا يبعد أن يكون شفاء الكافرين في نجس دون المؤمنين بدليل قوله تعالى { الخبيثات للخبيثين } وبدليل ما روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه { أنه عليه السلام قال إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم } فاستفيد من كاف الخطاب أن الحكم مختص بالمؤمنين هذا وقد وقع الاختلاف بين مشايخنا في التداوي بالمحرم ففي النهاية عن الذخيرة الاستشفاء بالحرام يجوز إذا علم أن فيه شفاء ولم يعلم دواء آخر ا هـ .

                                                                                        وفي فتاوى قاضي خان معزيا إلى نصر بن سلام معنى قوله عليه السلام { إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم } إنما قال ذلك في الأشياء التي لا يكون فيها شفاء فأما إذا كان فيها شفاء فلا بأس به ألا ترى أن العطشان يحل له شرب الخمر للضرورة ا هـ .

                                                                                        وكذا اختار صاحب الهداية في التجنيس فقال إذا سال الدم من أنف إنسان يكتب فاتحة الكتاب بالدم على جبهته وأنفه ويجوز ذلك للاستشفاء والمعالجة ، ولو كتب بالبول إن علم أن فيه شفاء لا بأس بذلك لكن لم ينقل ، وهذا ; لأن الحرمة ساقطة عند الاستشفاء ألا ترى أن العطشان يجوز له شرب الخمر والجائع يحل له أكل الميتة . ا هـ . وسيأتي لهذا زيادة بيان في باب الكراهية إن شاء الله تعالى قال في التبيين وقول محمد مشكل ; لأن كثيرا من الطاهر لا يجوز شربه وقول أبي يوسف أشد إشكالا ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إنه لا إشكال فيه أصلا ; لأنه قال بنجاسته عملا بحديث { استنزهوا من البول } وقال بجواز شربه للتداوي عملا بحديث العرنيين .

                                                                                        [ ص: 122 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 122 ] ( قوله : هذا وقد وقع الاختلاف إلخ ) قال سيدي عبد الغني في شرحه على هدية ابن العماد : بعد نقله عبارة المؤلف لا يظهر فيه اختلاف المشايخ لاتفاقهم على الجواز للضرورة وتصريح الأول أي صاحب النهاية باشتراط العلم لا ينافيه قول من بعده باشتراط الشفاء فيه فليتأمل قال والدي رحمه الله تعالى وقول المؤلف يعني صاحب الدرر لا للتداوي محمول على المظنون ، وإلا فجوازه باليقين اتفاقي كما صرح به في المصفى لقصة العرنيين . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وقول محمد مشكل إلخ ) قال في النهر مدفوع إذ الكلام في طاهر لا إيذاء فيه بل كان دواء على أن المنع في لبن الأتان ممنوع ففي البزازية لا بأس بالتداوي به قال الصدر وفيه نظر ( قوله : لا إشكال فيه ) أي في قول أبي يوسف .




                                                                                        الخدمات العلمية