الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              730 764 - حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطول الطوليين؟! [فتح: 2 \ 246]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: والمرسلات عرفا [المرسلات: 1] فقالت: يا بني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا وله: ثم ما صلى بعدها حتى قبضه الله -عز وجل- .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجها البخاري في كتاب: المغازي، وقال: ثم ما صلى لنا بعدها .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه الترمذي بلفظ: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب بالمرسلات فما صلى بعدها حتى لقي الله -عز وجل-.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه النسائي بلفظ: صلى بنا في بيته المغرب فقرأ بالمرسلات [ ص: 73 ] وما صلى بعدها صلاة حتى قبض - صلى الله عليه وسلم - . وفي "الأوسط": ثم لم يصل لنا عشاء حتى قبض .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر البخاري في الباب أيضا حديث ابن أبي مليكة، عن عروة، عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطول الطوليين؟! وهو من أفراده.

                                                                                                                                                                                                                              وقول الحاكم في "مستدركه" أنه مما اتفقا عليه . من أوهامه، ورواه أبو داود، كذلك قال: قلت ما طولى الطوليين، قال: الأعراف، ونقله ابن بطال عن العلماء، وقال ابن أبي مليكة من قبل نفسه: الأعراف والمائدة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي البيهقي عنه أنه قال: ما طولى الطوليين؟ قال: الأنعام والأعراف .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "أطراف ابن عساكر": قيل لعروة: ما طول الطوليين؟ قال: الأعراف ويونس، ورواه النسائي وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي الأسود سمع عروة، قال زيد لمروان: أبا عبد الله، تقرأ في المغرب بـ قل هو الله أحد و إنا أعطيناك الكوثر .

                                                                                                                                                                                                                              قال زيد: فحلفت بالله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيها بأطول [ ص: 74 ] الطوليين وهي المص
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن القطان: ففي هذا أن عروة سمعه من زيد بن ثابت، ووقع في أبي داود بينهما مروان أي: وكذا في البخاري كما سلف، وما مثله يصح؛ لأنه قد علل حديث بسرة بذلك مع أنه قد قال فيه كما قال هنا، فيكون سمعه بعد أن حدثه مروان عنه أو حدثه به زيد أولا، وسمعه أيضا من مروان، فصار يحدث به على الوجهين .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك، فالطولى: وزن فعلى تأنيث أطول، وقد سلف كذلك في رواية.

                                                                                                                                                                                                                              و (الطوليين): تثنية الطولى، وطولى الطوليين. يريد: أطول السورتين.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وبعض المحدثين يقول: بطول الطوليين. بكسر الطاء وفتح الواو وهو خطأ فاحش، إنما الطول: الحبل، وليس هذا موضعه .

                                                                                                                                                                                                                              وكذا قال ابن الجوزي: أصحاب الحديث يروونه: (بطول) وهو غلط، إنما هو بطولى على وزن فعلى .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: هل يجوز أن تكون البقرة؛ لأنها أطول السبع الطوال؟

                                                                                                                                                                                                                              فالجواب: أنه لو أرادها لقال: بطول الطول. ثم الحديثان المذكوران ظاهران فيما ترجم له البخاري رحمه الله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 75 ] قال ابن بطال: ويحتمل أن يكون قرأها في الركعتين؛ لأنه لم يذكر أنه قرأ معها غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: صرح به زيد بن ثابت في روايته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف في الركعتين كلتيهما، رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسال .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وفي الصحيحين قراءته - عليه السلام - في المغرب بالطور كما ذكره البخاري بعد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي ابن ماجه -بإسناد صحيح- من حديث ابن عمر قراءته فيها بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الطبراني -بإسناد صحيح- أنه أمهم فيها بـ والتين والزيتون [ ص: 76 ] وخرجه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن بطال عن الشعبي عنه: قرأ - عليه السلام - في المغرب بـ والتين والزيتون .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "صحيح ابن حبان" من حديث جابر بن سمرة قراءته - عليه السلام - فيها ليلة الجمعة بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وقراءته في العشاء الآخرة ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين فاستفده .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الأحاديث غير ذلك بالصافات وبالدخان وبالبقرة.

                                                                                                                                                                                                                              وعند أبي داود: أن عروة بن الزبير كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما يقرءون والعاديات ونحوها من السور.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو داود: هذا يدلك على أن ذاك منسوخ .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان، فذكر أنه كان يقرأ في الأوليين من صلاة المغرب بقصار المفصل . وعند ابن شاهين كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الصحيح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، وبنحوه ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية