الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها ، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها ومن الجبال جدد فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن الجدد القطع مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، حكاه ابن بحر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها الخطط واحدتها جدة مثل مدة ومدد ، ومنه قول زهير


                                                                                                                                                                                                                                        كأنه أسفع الخدين ذو جدد طاو ويرتع بعد الصيف عريانا



                                                                                                                                                                                                                                        بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والغربيب الشديد السواد الذي لونه كلون الغراب . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يبغض الشيخ الغربيب) يعني [ ص: 471 ] الذي يخضب بالسواد ، قال امرؤ القيس


                                                                                                                                                                                                                                        العين طامعة واليد سابحة     والرجل لافحة والوجه غربيب



                                                                                                                                                                                                                                        وقيل فيه تقديم وتأخير ، وتقديره سود غرابيب .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي المراد بالغرابيب السود ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : الجبال السود ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : الطرائف السود ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : الأودية السود ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : كذلك مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يعني بقوله كذلك أي كما اختلف ألوان الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم استأنف فقال : إنما يخشى الله من عباده العلماء يعني بالعلماء الذين يخافون . قال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم . قال ابن مسعود : المتقون سادة ، والعلماء قادة . وقيل : فاتحة الزبور الحكمة خشية الله .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية