الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في القبلة للصائم

                                                                                                          727 حدثنا هناد وقتيبة قالا حدثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل في شهر الصوم قال وفي الباب عن عمر بن الخطاب وحفصة وأبي سعيد وأم سلمة وابن عباس وأنس وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القبلة للصائم فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب مخافة أن لا يسلم له صومه والمباشرة عندهم أشد وقد قال بعض أهل العلم القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم ورأوا أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإذا لم يأمن على نفسه ترك القبلة ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن زياد بن علاقة ) بكسر العين المهملة وبالقاف ، ثقة من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( كان يقبل في شهر الصوم ) أي في رمضان ، وفي رواية لمسلم . يقبل في رمضان وهو صائم . قال الحافظ في الفتح . فأشارت عائشة إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حديث عائشة حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمر بن الخطاب ) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ قال : هششت يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ " قلت : لا بأس بذلك ، فقال -صلى الله عليه وسلم- : " ففيم؟ " كذا في المنتقى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث . أخرجه أبو داود والنسائي ، قال النسائي منكر ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، انتهى .

                                                                                                          ( وحفصة ) أخرجه ابن ماجه بلفظ : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل وهو صائم ( وأم سلمة ) أخرجه الشيخان بلفظ : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم ( وابن عباس ) أخرجه ابن ماجه بلفظ قال : رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشباب ( وأنس ) لينظر من أخرجه ( وأبي هريرة ) أبو داود بلفظ : أن رجلا [ ص: 350 ] سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم فرخص له ، وأتاه آخر فسأله فنهاه ، فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب ، انتهى . وسكت عنه أبو داود والمنذري . وقال ابن الهمام : سنده جيد ، كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( فرخص بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في القبلة للشيخ ولم يرخص للشاب إلخ ) قال الحافظ في الفتح : فرق قوم بين الشاب والشيخ ، فكرهها -يعني القبلة- للشاب وأباحها للشيخ ، وهو مشهور عن ابن عباس ، أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما ، وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدهما أبو داود من حديث أبي هريرة والآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أهل العلم : القبلة تنقض الأجر ولا تفطر الصائم ، ورأوا أن الصائم إذا ملك نفسه أن يقبل إلخ ) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا : ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيقبل الصائم؟ فقال : سل هذه ، لأم سلمة ، فأخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك ، فقال : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له . فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء ؛ لأن عمر حينئذ كان شابا ولعله كان أول ما بلغ . وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص .

                                                                                                          وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته أن تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ، فسألته فقال : أنا أفعل ذلك ، فقال زوجها : يرخص الله لنبيه فيما يشاء ، فرجعت فقال : أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم . وأخرجه مالك لكنه أرسله ، قال عن عطاء أن رجلا فذكر نحوه مطولا ، انتهى كلام الحافظ . قال قبل هذا : قد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم ، فكره قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية ، وروى [ ص: 351 ] ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة . ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها ، واحتجوا بقوله تعالى : فالآن باشروهن الآية ، فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارا .

                                                                                                          والجواب عن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا ، فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها .

                                                                                                          وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة ، بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : أعدل الأقوال عندي ما ذهب إليه سفيان الثوري والشافعي من أن الصائم إذا ملك نفسه جاز له التقبيل وإذا لم يأمن تركه ، وبه يحصل الجمع والتوفيق بين الأحاديث المختلفة ، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- قال محمد بن الحسن في الموطأ : لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه بالجماع ، فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- والعامة قبلنا ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية