الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صوم يوم الجمعة

                                                                                                          742 حدثنا القاسم بن دينار حدثنا عبيد الله بن موسى وطلق بن غنام عن شيبان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة قال وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث عبد الله حديث حسن غريب وقد استحب قوم من أهل العلم صيام يوم الجمعة وإنما يكره أن يصوم يوم الجمعة لا يصوم قبله ولا بعده قال وروى شعبة عن عاصم هذا الحديث ولم يرفعه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من غرة كل شهر ) قال العراقي : يحتمل أن يراد بغرة الشهر أوله وأن يراد بها الأيام الغر وهي البيض كذا في قوت المغتذي ( قلما كان يفطر يوم الجمعة ) قال المظهر : تأويله أنه كان يصومه منضما إلى ما قبله أو إلى ما بعده أو أنه مختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كالوصال ، انتهى .

                                                                                                          قلت : وجه تأويله أنه قد ثبت النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام ، وقد ذهب الجمهور إلى كراهته ، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا كراهة فيه واستدل لهما بهذا الحديث .

                                                                                                          قال الحافظ في [ ص: 370 ] فتح الباري : واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود يعني الذي ذكره الترمذي في هذا الباب وليس فيه حجة ؛ لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا بين الحديثين ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          وقال العيني -رحمه الله- : فإن قلت : يعارض هذه الأحاديث ( يعني الأحاديث التي تدل على كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم ) ما رواه الترمذي من حديث عبد الله ( يعني الحديث الذي ذكره الترمذي في هذا الباب ) قلت : لا نسلم هذه المعارضة ؛ لأنه لا دلالة فيه على أنه -صلى الله عليه وسلم- صام يوم الجمعة وحده ، فنهيه -صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث يدل على أن صومه يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده ، بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده وذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صحيح صريح ، فحينئذ يكون نسخا أو تخصيصا ، وكل واحد منهما منتف ، انتهى كلام العيني ملخصا .

                                                                                                          قلت : حاصل كلام العيني هذا هو ما قال الحافظ ، فالعجب كل العجب من العيني أنه نقل قول الحافظ ثم اعترض عليه وقال : والعجب من هذا القائل يترك ما يدل عليه ظاهر الحديث ويدفع حجيته بالاحتمال الناشئ من غير دليل الذي لا يعتبر ولا يعمل به وهذا كله عسف ومكابرة ، انتهى . فاعتراض العيني هذا إن كان صحيحا فهو واقع على نفسه فإن حاصل كلامهما واحد فتفكر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة ) أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن أبي شيبة عنه قال : ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفطرا يوم جمعة قط ، كذا في عمدة القاري . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الحافظ ابن عبد البر بسنده إلى أبي هريرة أنه قال : من صام الجمعة كتب له عشرة أيام من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا ، كذا في النيل ، وفي الباب عن ابن عباس ، أخرجه ابن أبي شيبة نحو رواية ابن عمر المذكورة .

                                                                                                          قوله : ( حديث عبد الله حسن ) وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم كذا في عمدة القاري .

                                                                                                          [ ص: 371 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية