الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                      وآخرون بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمور الدين، وهو عطف على منافقون، أي: ومنهم يعني: وممن حولكم ومن أهل المدينة قوم آخرون اعترفوا بذنوبهم التي هي تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه والرضا بسوء جوار المنافقين، وندموا على ذلك، ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة، ولم يخفوا ما صدر عنهم من الأعمال السيئة، كما فعله من اعتاد إخفاء ما فيه وإبراز ما ينافيه من المنافقين، الذين اعتذروا بما لا خير فيه من المعاذير المؤكدة بالأيمان الفاجرة حسب ديدنهم المألوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم رهط من المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد عندما بلغهم ما نزل في المتخلفين، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل المسجد فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك، فسأل عن شأنهم فقيل: إنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم» فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      خلطوا عملا صالحا هو ما سبق منهم من الأعمال الصالحة والخروج إلى المغازي السابقة وغيرها، وما لحق من [ ص: 99 ] الاعتراف بذنوبهم في التخلف عن هذه المرة، وتذممهم وندامتهم على ذلك، وتخصيصه بالاعتراف لا يناسب الخلط، لا سيما على وجه يؤذن بتوارد المختلطين وكون كل منهما مخلوطا ومخلوطا به، كما يؤذن به تبديل الواو بالباء في قوله تعالى: وآخر سيئا فإن قولك: خلطت الماء باللبن يقتضي إيراد الماء على اللبن دون العكس، وقولك: خلطت الماء واللبن معناه: إيقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا به، وترك تلك الدلالة للدلالة على جعل كل منهما متصفا بالوصفين جميعا، وذلك فيما نحن فيه بورود كل من العملين على الآخر مرة بعد أخرى، والمراد بالعمل السيئ ما صدر عنهم من الأعمال السيئة أولا وآخرا، وعن الكلبي التوبة والإثم، وقيل: الواو بمعنى الباء كما في قولهم بعت الشاء شاة ودرهما، بمعنى: شاة بدرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      عسى الله أن يتوب عليهم أي: يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم إن الله غفور رحيم يتجاوز عن سيئات التائب ويتفضل عليه، وهو تعليل لما تفيده كلمة (عسى) من وجوب القبول، فإنها للإطماع الذي هو من أكرم الأكرمين إيجاب وأي إيجاب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية