الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فإن ضاع المقدم فعن الباقي )

                                                                                                                            ش : يعني فإن قدم زكاة ماله قبل الحول وضاع المقدم قبل وصوله إلى مستحقه فإنه يخرج الزكاة عن الباقي إن كان الباقي نصابا ، وظاهر كلامه سواء قدمها قبل الحول بكثير أو بالزمن اليسير الذي يجوز تقديمها فيه ، وهذا هو الذي ذكره القاضي عياض في التنبيهات عن ابن رشد وقبله ، ونقله المصنف عنه في التوضيح ، ونصه : إذا أخرجها قبل الحول فضاعت فإنه يضمن ، قاله مالك في الموازية ، قال مالك : ما لم يكن قبله باليوم واليومين ، وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه لأجزأته ، قال في التنبيهات : قيل معناه تجزئ ولا يلزمه غيرها بخلاف الأيام ، وذهب ابن رشد إلى أنه متى هلكت قبل الحول بيسير أنه يزكي ما بقي إن كان فيه زكاة ، قال ابن رشد : كذا يأتي عندي على جميع الأقوال ، وإنما تجزئه إذا أخرجها ونقدها كالرخصة والتوسعة ، فأما إذا هلكت ولم تصل إلى أهلها ولا بلغت محلها فإن ضمانها ساقط عنه ، ويؤدي زكاة ما بقي عند حوله إلا على ما تؤول على ما قاله ابن المواز كاليوم واليومين ، انتهى كلامه في التنبيهات ، انتهى كلام التوضيح

                                                                                                                            وقوله " بخلاف الأيام " أي بخلاف ما إذا أخرجها قبل الحول بأيام كثيرة فضاعت فإنها لا تجزئ ، فإنه تقدم عن ابن المواز أنها إذا قدمت على الحول لا تجزئ إلا باليوم واليومين فقط كما قال اللخمي ، أو نحوهما كالثلاثة كما قال ابن راشد ، واقتصر في التوضيح في أول كتاب الزكاة لما تكلم على الحول على تقييد ابن المواز ، ولم يذكر كلام ابن رشد ، وذكر الرجراجي كلام ابن رشد وتقييد ابن المواز وجعله مخالفا له ، وما ذكره عن ابن رشد هو معنى ما في المقدمات ، ونصها فصل فيما أنفق الرجل من ماله قبل الحول بيسير أو كثير أو تلف منه فلا زكاة عليه فيه ، ويزكي الباقي إذا حال عليه الحول وفيه ما تجب فيه الزكاة ، وكذلك إذا أخرج زكاة ماله قبل الحول بيسير أو كثير فتلفت أو أخرجها فنفذها في الوقت الذي لا يجوز له تنفيذها فيه يزكي الباقي إن كان فيما بقي منه ما تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، انتهى . ( قلت ) : وما ذكره ابن رشد خلاف ما يقتضيه كلام صاحب الطراز ، ونصه : إذا جوز دفعها قبل الحول بنحو الشهر على قول ابن القاسم في العتبية فدفع نصف دينار عن عشرين دينارا ، أو شاة عن أربعين وبقي بقية ماله بيده حتى تم الحول فهل يكون ذلك زكاة مفروضة أم لا ؟ ظاهر كلام ابن القاسم أنها زكاة ، وهو قول الشافعي في الزكاة المعجلة

                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا تكون زكاة ، ثم قال : فلو تلف ذلك من يد الساعي قبل كمال الحول وقبل أن يدفعه للمساكين لم يضمنه على مقتضى المذهب ; لأنها زكاة وقعت موقعها ، وذلك الوقت في حكم وقت وجوبها ، وعند المخالف لا يقع ذلك موقع الزكاة بنفسه بل يقع على مراعاة شرائط الأداء عند انغلاق الحول ، ثم قال : واختلفوا إذا تغيرت أحوال رب المال قبل الحول فمات أو ارتد أو تلف [ ص: 363 ] ماله ، هل له أن يسترد ما دفع ، فقال أبو حنيفة : إن كان ذلك قائما بيد الإمام استرجعه ، وإن وصل إلى الفقراء لم يكن له إليه سبيل ، وقال الشافعي وابن حنبل له استرجاعه بكل حال ، وهذا إذا بين عند الدفع أنه زكاة معجلة ، ثم قال : ولو تغير حال الفقير عند الحول فارتد أو مات أو استغنى بغير الزكاة ، قال أبو حنيفة : قد وقعت موقعها ولا يسترد منه ، وهو مذهب ابن القاسم في العتبية ثم ذكر مذهب الشافعي وابن حنبل وفيه تفصيل فليراجعه من أراده ، وقال ابن العربي في عارضته فإن قدمها لشخص فقير ثم استغنى عند الحول ، فإن كان غناه من الزكاة فلا كلام في الإجزاء ، وإن كان من غيرها فيتخرج فيها القولان فيما إذا أعطى لشخص ظنه فقيرا فتبين غنيا ، قال ابن القاسم في الأسدية : يجزئه ، وقال في الموازية : لا يجزئه ، انتهى . ( قلت ) : الجاري على قول صاحب الطراز أنها زكاة أنه لا ينظر إلى تغير الأحوال ، والجاري على ما قاله ابن رشد أن ينظر إلى تغير حال المال وربه والفقير ، وقد جزم في الجواهر بأنه إذا قدمها قبل الحول ثم تلف المال أنه يستردها ، ونصه : ولو عجل الزكاة قبل الحول بالمدة الجائزة على الخلاف فيها ثم هلك النصاب قبل تمام الحول أخذها إن كانت قائمة بعينها وعلم أي هلاك النصاب أو بين أنها زكاة معجلة وقت الدفع ، وإن لم يبين ذلك لم يقبل قوله ، وأما لو دفع الزكاة معجلة ثم ذبح شاة من الأربعين فجاء الحول ولم ينجبر النصاب لم يكن له الرجوع ; لأنه يتهم أن يكون ذبح ندما ليرجع فيما عجل ، انتهى . ونقله في الذخيرة بلفظ : لو عجل بالمدة الجائزة فهلك النصاب قبل تمام الحول أخذها إن كانت قائمة إن ثبت ذلك وإلا فلا يقبل قوله ، انتهى . ونقل كلام صاحب الطراز ، وقال ابن العربي في عارضته : إذا قدم زكاة العين في الوقت الجائز ثم هلك المال قبل الحول فإنه يرجع ; في زكاته إن كانت قائمة وبين أنها زكاة ولو قدم زكاة الغنم ثم ذبح منها ما نقصها عن النصاب لم يرجع لأنه يتهم ، نعم لو ضاعت بأمر من الله رجع ، انتهى . فتحصل من هذا أنه إذا عجل الزكاة بالزمان اليسير وضاع ما عجله قبل وصوله لمستحقه ، فهل يجزئه ؟ وهو ظاهر كلام الطراز وكلام ابن المواز إلا أن اليسير عند ابن المواز اليومان والثلاثة كما تقدم ، وظاهر كلام صاحب الطراز أنه على الخلاف السابق فيه أو لا تجزئه وهو الذي جزم به ابن رشد ، وظاهر كلام المصنف أنه مشى عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( كعزلها فضاعت )

                                                                                                                            ش : أي فإنه لا يضمنها إذا عزلها عند وجوبها فضاعت من غير تفريط .

                                                                                                                            ( فرع ) فإن وجدها لزمه إخراجها ، ولو كان حينئذ فقيرا مدينا ، انتهى . من ابن عرفة والمسألة في سماع أبي زيد

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية