الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون

                                                                                                                                                                                                                                      والذين اتخذوا مسجدا عطف على ما سبق، أي: ومنهم الذين، أو نصب على الذم، وقرئ بغير واو؛ لأنها قصة على حيالها.

                                                                                                                                                                                                                                      ضرارا أي: مضارة للمؤمنين، وانتصابه على أنه مفعول له، أو مفعول ثان لـ"اتخذوا"، أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر منصوب على الحالية، أي: يضارون بذلك ضرارا، أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل وقع حالا من ضمير "اتخذوا"، أي: مضارين [ ص: 102 ] للمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم، فيصلي بهم في مسجدهم فلما فعله - صلى الله عليه وسلم - حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وقالوا: نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب أيضا، إذا قدم من الشام، وهو الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفاسق، وقد كان قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل يفعل ذلك إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن يومئذ ولى هاربا إلى الشام وأرسل إلى المنافقين: أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود، ومخرج محمدا وأصحابه من المدينة ، فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه" فلما قفل - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد، فنزلت عليه، فدعا بمالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشي، فقال لهم: "انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه"، ففعلوا، وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة، وهلك أبو عامر الفاسق بالشام بقنسرين وكفرا تقوية للكفر الذي يضمرونه وتفريقا بين المؤمنين الذين كانوا يصلون في مسجد قباء مجتمعين فيغص بهم فأرادوا أن يتفرقوا وتختلف كلمتهم وإرصادا إعدادا وانتظارا وترقبا لمن حارب الله ورسوله وهو الراهب الفاسق، أي: لأجله حتى يجيء فيصلي فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل متعلق بـ"اتخذوا"، أي: اتخذوه من قبل أن ينافقوا بالتخلف، حيث كانوا بنوه قبل غزوة تبوك، أو بـ(حارب) أي: حاربهما قبل اتخاذ هذا المسجد.

                                                                                                                                                                                                                                      وليحلفن إن أردنا أي: ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الحسنى إلا الخصلة الحسنى، وهي الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين، أو إلا الإرادة الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون في حلفهم ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية