الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء

                                                                                                                                                                                                        702 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وكان لا يفعل ذلك في السجود

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء ) هو ظاهر قوله في حديث الباب " يرفع يديه إذا افتتح الصلاة " وفي رواية شعيب الآتية بعد باب " يرفع يديه حين يكبر " فهذا دليل المقارنة . وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم ، ففي حديث الباب عنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ " رفع يديه ثم كبر " وفي حديث مالك بن الحويرث عنده " كبر ثم رفع يديه " وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء ، والمرجح عند أصحابنا المقارنة ، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع ، ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ " رفع يديه مع التكبير " وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه ، وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي ، وهو المرجح عند المالكية . وصحح في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لا حد لانتهائه . وقال صاحب الهداية من الحنفية : الأصح يرفع ثم يكبر ؛ لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله ، والتكبير إثبات ذلك له ، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة . وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكر . وقد قال فريق [ ص: 256 ] من العلماء : الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى . وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر فقيل : معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة ، وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله : الله أكبر . وقيل إلى استعظام ما دخل فيه ، وقيل إشارة إلى تمام القيام ، وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود ، وقيل ليستقبل بجميع بدنه ، قال القرطبي : هذا أنسبها . وتعقب . وقال الربيع قلت للشافعي : ما معنى رفع اليدين ؟ قال : تعظيم الله واتباع سنة نبيه . ونقل ابن عبد البر عن ابن عمر أنه قال : رفع اليدين من زينة الصلاة . وعن عقبة بن عامر قال " بكل رفع عشر حسنات ، بكل إصبع حسنة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ) هو القعنبي ، وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في روايته عنه في الموطأ ، وقد أخرجه الإسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدارقطني : رواه الشافعي والقعنبي ، وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع . قال : وحدث به عن مالك في غير الموطأ ابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته . وقال ابن عبد البر كل من رواه عن ابن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة ، قال النووي في شرح مسلم : أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ، ثم قال بعد أسطر : أجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع ، إلا أنه حكي وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود ، وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا اهـ . واعترض عليه بأنه تناقض ، وليس كما قال المعترض ، فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب ، وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب ، نقله صاحب التبصرة منهم ، وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم . وأسلم العبارات قول ابن المنذر : لم يختلفوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        وقول ابن عبد البر : أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة . وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله عنه الحاكم في ترجمة محمد بن علي العلوي ، وحكاه القاضي حسين عن الإمام أحمد ، وقال ابن عبد البر : كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي . قلت : ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه ، وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه ونقله ابن المنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع ولا يعتد بخلافهم ، ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه ، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته ، وهو مردود بإجماع من قبله ، وفي نقل الإجماع نظر فقد نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول ابن خزيمة : إنه ركن ، واحتج ابن حزم بمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلي وسيأتي ما يرد عليه في ذلك في الباب الذي يليه ، ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية