الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم

عطف على جملة قلنا احمل فيها أي قلنا له ذلك . وقال نوح - عليه السلام - لمن أمر بحمله ( اركبوا )

وضمير ( فيها ) لمفهوم من المقام ، أي السفينة كقوله : وحملناه على ذات ألواح ودسر أي سفينة .

وعدي فعل ( اركبوا ) بـ ( في ) جريا على الفصيح فإنه يقال : ركب الدابة إذا علاها . وأما ركوب الفلك فيعدى بفي لأن إطلاق الركوب عليه مجاز ، وإنما هو جلوس واستقرار فلا يقال : ركب السفينة ، فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له ، وهي تفرقة حسنة .

والباء في باسم الله للملابسة مثل ما تقدم في تفسير البسملة ، وهي في موضع الحال من ضمير اركبوا أي ملابسين لاسم الله ، وهي ملابسة القول لقائله ، أي قائلين : باسم الله .

و مجراها ومرساها - بضم الميمين فيهما - في قراءة الجمهور . وهما مصدرا أجرى السفينة إذا جعلها جارية ، أي سيرها بسرعة ، وأرساها إذا جعلها راسية أي واقفة على الشاطئ . يقال : رسا إذا ثبت في المكان .

[ ص: 74 ] وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف مجراها فقط - بفتح الميم - على أنه مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان . وأما ( مرساها ) - فبضم الميم - مثل الجمهور ؛ لأنه لا يقال : مرساها - بفتح الميم - . والعدول عن الفتح في مرساها في كلام العرب مع أنه في القياس مماثل مجراها وجهه دفع اللبس لئلا يلتبس باسم المرسى الذي هو المكان المعد لرسو السفن .

ويجوز أن يكون مجراها ومرساها في محل نصب بالنيابة عن ظرف الزمان ، أي وقت إجرائها ووقت إرسائها . ويجوز أن يكون في محل رفع على الفاعلية بالجار والمجرور لما فيه من معنى الفعل ، وهو رأي نحاة الكوفة ، وما هو ببعيد .

وجملة إن ربي لغفور رحيم تعليل للأمر بالركوب المقيد بالملابسة لذكر اسم الله تعالى ، ففي التعليل بالمغفرة والرحمة رمز إلى أن الله وعده بنجاتهم ، وذلك من غفرانه ورحمته . وأكد بـ إن ولام الابتداء تحقيقا لأتباعه بأن الله رحمهم بالإنجاء من الغرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية