الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين

                                                          وتتضمن إجابتهم ثلاثة أمور كلها لقيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومه، والملأ هم الأشراف الأقوياء المستكبرون في الأرض بغير الحق، ووصفهم سبحانه بالموصول الذين كفروا لبيان أن السبب هو كفرهم وليس ثمة باعث حقيقي مما تضمنه قولهم، إنما الباعث هو الكفر الذي سبق إليهم ابتداء، وكان ذلك القول مظهره وأول ما دل عليه، وهو استغرابهم أن يكون بشر منهم رسولا، وكذلك كان يقول مشركو مكة.

                                                          الأمر الأول: ما نراك إلا بشرا مثلنا فأي ميزة جعلتك رسولا من بيننا، وهذا كقول المشركين في مكة: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وهذا هو أول ما تضمنته إجابتهم.

                                                          الأمر الثاني: أنهم قالوا: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا جمع أراذل، وهم الأخساء في نظرهم لأنهم يقيسون الخسة والرفعة بمقدار القوة المادية، فمن كان غنيا مستعليا بماله ونفره كان عاليا، ومن كان قليلا في ماله ونفره كان خسيسا في نظرهم ومعنى بادي الرأي أي: ظاهرا من الرؤية لا يحتاج إلى دليل.

                                                          الأمر الثالث: ما نرى لكم يا نوح أنت ومن معك من فضل علينا حتى تستحقوا الثواب دوننا، ومن هذا البيان استغراق النفي، أي: لا نرى لكم علينا أي [ ص: 3700 ] فضل حتى تكونوا مستحقين للثواب دوننا، وذلك لربطهم الرفعة في الدنيا بالمادة ثم أكدوا بعد ذلك ما توهموا فقالوا: بل نظنكم كاذبين وهو إضراب عما يوهم كلامهم في فرض صدق الأخبار بأنهم يستحقون ثوابا، ويقول المفسرون إن الظن هنا هو العلم، وأنا أقول إنه الظن الحقيقي; لأن الكفار كل علمهم أوهام، والأوهام إذا كان منها اعتقاد لا يمكن أن يكون إلا ظنا، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية