الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم ناداهم عليه السلام بما يؤلفهم:

                                                          ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون

                                                          طمأنهم إلى أنه لا يسألهم مالا، والمال عنصر حياتهم المادية التي بها يستعلون وهو زخرف الحياة وزينتها، ولكن يسألهم هداية، وأجره على الله وحده [ ص: 3701 ] إن أجري إلا على الله (إن) نافية، لا أجر لي إلا عند الله فلا تحاولوا أن تنكروا الرسالة ما دامت لا تكلفكم مالا، بل تكلفكم إصغاء وإيمانا. ثم هم كانوا يطعنون في اتباعه ويغضون من مقامه عند الله ولا يرضون أن يكونوا صفا واحدا مع هؤلاء الأراذل في زعمهم المادي الفاسد، فيقول لهم قولا قاطعا حازما حاسما فيه شدة وقوة وما أنا بطارد الذين آمنوا لأني جئت للهداية لا للثروة والمال، وعبر بالموصول في كلمة ( الذين آمنوا ) لبيان سبب النفي، وهو كونهم آمنوا، فحققوا ما جئت به، فكيف أطردهم.

                                                          وإن الاعتبار بحالهم وحالكم إنما يكون في الآخرة وليس في الدنيا، ولذا قال: إنهم ملاقو ربهم وعند لقاء ربهم الذي خلقهم ورباهم على تقوى منهم، فستكونون معهم وستعلمون أنهم أهدى سبيلا.

                                                          ويتجه نوح إلى أن يصدع بالحق فيهم بعد هذا الرفق الكريم ويقول: ولكني أراكم قوما تجهلون وهذا الاستدراك من القول اللين العطوف إلى القول الحق الذي لا يخلو من عنف في لطف، أراكم قوما تجمعتم وتحزبتم وأنتم تجهلون الحقائق وتمارون بالباطل، انتقل من عذرهم بخفاء الأمور عليهم إلى رميهم بالجهل المستمر الذي يتجدد آنا بعد آن وقد استمروا عليه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية