الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما مضى - من آيات هذه السورة المبينة أن من أريدت شقاوته لا ينفعه مشاهدة الآيات - سببا لنفي الشك عنها وإثبات اليقين بمضامينها بما سلف من الأدلة على تلك المضامين إلى أن ختم ذلك بذم من عمل عمل الشاك بعد أن جاء ما يوجب اليقين من العلم، وكان صلى الله عليه وسلم كما مضى في آخر التي قبلها أشفق الخلق لا سيما على العرب لا سيما على قومه منهم، وكانت الوصية قد برزت من الجناب الإلهي له بما يوافق طبعه من بذل الجهد في ملاطفتهم، كان ذلك جديرا بأن يحرك طبع البشر لتمني الإجابة لما يقترحون، وكان طلب ذلك بعد الفطام عنه من أفعال الشك في الجملة فأريد صرف النفس عنه بالكلية ولو بالخطور في البال فقيل مسببا عما قبله: فإن كنت أي: يا أرحم الخلق في شك ولم يرد بهذا الكلام حقيقته - والله أعلم - بل تقوية اليقين وتأكيده ورسوخه وتأييده بأن هذا أمر قد عزم عليه وفرغ منه فلا يحتمل مراجعة، وذلك لأن المعنى أن ثباتهم على [ ص: 205 ] الشقاوة أمر لا يعلم إلا من قبلنا، وذلك بأحد أمرين: إما بواسطة الأمين جبرئيل بما يأتي به [من] الوحي عنا غضا طريا محفوظا من الغير فلا تحريف فيه ولا تبديل، وإما بواسطة أهل الكتاب عن أنبيائهم - وفي ذلك نزول درجتين مع تجويز التخويف والتبديل، وهذا ما لا \ يرضاه ذو همة علية ونفس أبية - فالمعنى: أنا قد أخبرتك بأن الآيات لا تزيد المقضي بشقائه إلا ضلالا وأنا خبير بذلك ولا ينبئك مثل خبير فلا تطلب إجابتي إياهم إلى ما يقترحون عليك رجاء إيمانهم؛ فإنهم لا يؤمنون بذلك فإن كنت أي: في وقت من الأوقات في شك أي: ولو قل مما أنـزلنا أي: بعظمتنا واصلا على لسان الواسطة إليك في ذلك فاسأل أي: بسبب ذلك الشك الذين يقرءون أي: متتابعين لذلك الكتاب أي السماوي من اليهود والنصارى، فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزلنا إليك على حد عظيم. ومن آمن منهم أو كان منصفا جدير بأن يزداد من فاوضه في ذلك إيمانا; ولما كانوا بعض من أوتي الكتاب في الزمن السالف، أثبت الجار فقال: من قبلك وهم عن ذلك الخبر بمراحل، فلا تجنح إلى سؤال غيري، وهذا مضمون قوله تعالى مؤكدا آتيا بحرف التوقع [ ص: 206 ] لأن كلا من الأمرين في أحق مواضعه: لقد جاءك الحق أي الثابت الكامل ثباته [وهو إمضاء العدل فيهم]; وزاده تشريفا وترغيبا فيه بقوله: من ربك أي المحسن إليك باصطفائك لذلك، فلذا سيق مساق البيان له من غير واو، فإذا ثبت أنه الحق أي الثابت أعلى الثبات تسبب عنه البعد من تزلزل من جاءه، فناسب إتباعه بقوله: فلا تكونن أكده لأنه حقيق بأن لا ينثني عنه أحد بوجه من الوجوه من الممترين [أي] الغافلين عن آيات الله [فتطلب الفضل لأهل العدل]; قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله! ما شك طرفة عين ولا سأل أحدا منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية