الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون بل [ ص: 222 ] متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء البراء مصدر موضع الوصف، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، فكأنه قال إنني بريء.

                                                                                                                                                                                                                                        مما تعبدون إلا الذي فطرني وهذا استثناء منقطع وتقديره ، لكن الذي فطرني أي خلقني: فإنه سيهدين وقيل فيه محذوف تقديره إلا الذي فطرني لا أبرأ منه فإنه سيهدين قال ذلك ثقة بالله وتنبيها لقومه أن الهداية من ربه.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وجعلها كلمة باقية في عقبه فيها ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: لا إله إلا الله، لم يزل في ذريته من يقولها، قاله مجاهد ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ألا تعبدوا إلا الله، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: الإسلام، لقوله تعالى هو سماكم المسلمين من قبل قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي عقبه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: ولده، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: في آل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: من خلفه، قاله ابن عباس . [ ص: 223 ] لعلهم يرجعون فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: يرجعون إلى الحق ، قاله إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يتوبون ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: يذكرون ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: يرجعون إلى دينك الذي هو دين إبراهيم ، قاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أما القريتان فإحداهما مكة والأخرى الطائف. وأما عظيم مكة ففيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه الوليد بن المغيرة ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: عتبة بن ربيعة ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        وأما عظيم الطائف ففيه أربعة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه حبيب بن عمر الثقفي ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: [عمير] بن عبد ياليل ، [الثقفي] قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: عروة بن مسعود ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنه كنانة [عبد] بن عمرو ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: أهم يقسمون رحمت ربك يعني النبوة فيضعوها حيث شاءوا. نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا يعني أرزاقهم ، قال قتادة : فتلقاه ضعيف القوة قليل الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له، وتلقاه شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه. ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فيه خمسة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: بالفضائل، فمنهم فاضل ومنهم مفضول، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بالحرية والرق، فبعضهم مالك وبعضهم مملوك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: بالغنى والفقر، فبعضهم غني، وبعضهم فقير.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [ ص: 224 ]



                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: قاله السدي ، التفضيل في الرزق إن الله تعالى قسم رحمته بالنبوة كما قسم الرزق بالمعيشة. ليتخذ بعضهم بعضا سخريا فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: يعني خدما ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ملكا ، قاله قتادة . ورحمت ربك خير مما يجمعون فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أن النبوة خير من الغنى.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن الجنة خير من الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أن إتمام الفرائض خير من كثرة النوافل.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أن ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم ، قاله بعض أصحاب الخواطر.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: على دين واحد كفارا ، قاله ابن عباس والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: على اختيار الدنيا على الدين ، قاله ابن زيد. لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة فيها قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنها أعالي البيوت ، قاله قتادة ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الأبواب، قاله النقاش . ومعارج عليها يظهرون قال ابن عباس : المعارج الدرج ، وهو قول الجمهور واحدها معراج. عليها يظهرون أي درج من فضة عليها يصعدون ، والظهور الصعود. وأنشد: نابغة بني جعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله


                                                                                                                                                                                                                                        علونا السماء عفة وتكرما وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 225 ] فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إلى أين قال: إلى الجنة. قال: (أجل إن شاء الله)
                                                                                                                                                                                                                                        قال الحسن : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل؟ وزخرفا فيه ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه الذهب: قاله ابن عباس . وأنشد قطرب قول ذي الأصبع


                                                                                                                                                                                                                                        زخارف أشباها تخال بلوغها     سواطع جمر من لظى يتلهب

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الفرش ومتاع البيت ، قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه النقوش ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية