الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : ( والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة ، إلى السماء . ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء ، وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى . فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى ) .

ش : ( ( المعراج ) ) : مفعال ، من العروج ، أي الآلة التي يعرج فيها ، أي يصعد ، وهو بمنزلة السلم ، لكن لا نعلم كيف هو ، وحكمه كحكم غيره من المغيبات ، نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته .

وقوله : وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة - اختلف الناس في الإسراء .

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده ، نقله ابن إسحاق [ ص: 271 ] عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال : كان الإسراء مناما ، وبين أن يقال : كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم . فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا : كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين إذ ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة ، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء ، وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال . فما أراد أن الإسراء مناما ، وإنما أراد أن الروح ذاتها أسري بها ، ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه ، فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين ، مرة يقظة ، ومرة مناما . وأصحاب هذا القول كأنهم أرادوا الجمع بين حديث شريك وقوله : ( ( ثم استيقظت ) ) وبين سائر الروايات . [ ص: 272 ] وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين ، مرة قبل الوحي ، ومرة بعده . ومنهم من قال : بل ثلاث مرات ، مرة قبل الوحي ، ومرتين بعده . وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة ، للتوفيق ! وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل : أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة ، بعد البعثة ، قبل الهجرة بسنة ، وقيل : بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر .

قال شمس الدين ابن القيم : يا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه كان مرارا ! كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليهم الصلوات خمسين ، ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير [ ص: 273 ] خمسا ، فيقول : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين ، ثم يحطها إلى خمس ؟ ! وقد غلط الحفاظ شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء ، ومسلم أورد المسند منه ، ثم قال : فقدم وأخر وزاد ونقص . ولم يسرد الحديث . وأجاد رحمه الله . انتهى كلام الشيخ شمس الدين رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية