ولما تقدم الفطام عن الميل لمن يطلب الآيات، وكان طلبهم لها إنما هو على وجه الشك، وإن لم يكن على ذلك الوجه فإنه فعل الشاك غالبا وتقدمت أجوبة لهم، وختم ذلك بتهديدهم وبشارة المؤمنين الموجبة لثباتهم، ناسبه كل المناسبة أن أتبعت الأمر بجواب آخر دال على
nindex.php?page=treesubj&link=19592_32484_7990ثباته صلى الله عليه وسلم وأنه مظهر دينه رضي من رضي وسخط من سخط، لأن البيان قد وصل إلى غايته في قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_31048_34103_34189_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قل يا أيها الناس أي الذين هم في حيز الاضطراب، لم ترقهم هممهم إلى رتبة الثبات
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إن كنتم أي: كونا هو كالجبلة منغمسين
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104في شك كائن
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104من جهة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104ديني تطلبون لنزوله - بعد تكفل العقل بالدلالة عليه - إنزال الآيات، فأنا لست على شك من صحة ديني وبطلان دينكم فاعرضوه على عقولكم وانظروا ما فيه من الحكم مستحضرين ما لدينكم من الوهي الذي تقدم بيانه في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق ونحوه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فلا أعبد أي الآن ولا في مستقبل الزمان
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الذين تعبدون أي الآن أو بعد الآن
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104من دون الله أي الملك الأعظم لعدم قدرتهم على شيء من ضري، فلا تطمعوا في أنه يحصل لي شك بسبب حصول الشك
[ ص: 216 ] لكم، فإذا لا أعبد غير الله أصلا.
ولما كان سلب عبادته عن غيره ليس صريحا في إثباتها له قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104ولكن أعبد الله أي الجامع لأوصاف الكمال عبادة مستمرة; ثم وصفه بما يوجب الحذر [منه] ويدل على كمال قدرته
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الذي يتوفاكم بانتزاع أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها. فلا تطمعون - عند إرادته لنزعها - في المحاولة لتوجيه دفاع عن ذلك. وفي هذا الوصف - مع ما فيه من الترهيب - إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30340الدلالة على الإبداء والإعادة، فكأنه قيل: الذي أوجدكم من عدم كما أنتم به مقرون بعدمكم بعد هذا الإيجاد وأنتم صاغرون، فثبت قطعا أنه قادر على إعادتكم بعد هذا الإعدام بطريق الأولى فاحذروه لتعبدوه كما أعبده فإنه قد أمرني بذلك وأنتم تعرفون غائلة الملك إذا خولف، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إن كنتم في شك مع أنهم يصرحون ببطلان دينه، لأنهم في حكم الشاك لاضطرابهم عند ورود الآيات، أو لأن فيهم الشاك فغلب لأنه أقرب إلى الحيز; والشك: وقوف بين المعنى ونقيضه، وضده الاعتقاد؛ فإنه قطع بصحة المعنى دون نقيضه، وعبر ب: "من" إشارة إلى أن فعلهم ذلك ابتدأ من الدين، ولو عبر ب: "في" لأفهم أنهم دخلوا فيه لأنهم في الشك والشك في الدين، والظرف لظرف الشيء ظرف لذلك الشيء، وترك العطف إشارة إلى أن كل جواب منها كاف على حياله.
[ ص: 217 ] ولما قرر ما هو الحقيق بطريق العقل، أتبعه بما ورد من النقل بتأييده وإيجابه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أي: بأمر جازم ماض ممن لا أمر لأحد معه، [وعظم المأمور به بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال]:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104أن أكون أي: دائما كونا جبليا، [ولما كان السياق لما يحتمل الشك من الأمر الباطن، عبر بالإيمان الذي هو للقلب فقال]:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104من المؤمنين أي الراسخين في هذا الوصف
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_30513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم [أي] أيها الرسول
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وجهك أي: كليتك على سبيل الإخلاص الذي لا شوب فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105للدين فوصل أولا كلمة "أن" بمعنى الأمر [أي " أن أكون " دون "أكن"] وثانيا بلفظه [وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105أقم ] جمعا بين الأسلوبين، وكلاهما بمعنى المصدر، وخص الثاني بذلك لطوله لأنه كالتفصيل للأول فالخطاب فيه أوكد وألذ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105حنيفا حال من فاعل "أقم" ومعناه: مسلما ميالا مع الدليل - كما أوضحته في البقرة، أي اجمع بين
nindex.php?page=treesubj&link=28653_28647الإيمان بالقلب والإسلام بالجوارح nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105ولا تكونن أي: في وقت من الأوقات
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105من المشركين الذين هم على ضد صفة الإسلام من الجفاء والغلظة والجمود والقسوة.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ الْفِطَامُ عَنِ الْمَيْلِ لِمَنْ يَطْلُبُ الْآيَاتِ، وَكَانَ طَلَبُهُمْ لَهَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ فِعْلُ الشَّاكِّ غَالِبًا وَتَقَدَّمَتْ أَجْوِبَةٌ لَهُمْ، وَخُتِمَ ذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِمْ وَبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوجِبَةِ لِثَبَاتِهِمْ، نَاسَبَهُ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ أَنِ أَتْبَعَتِ الْأَمْرَ بِجَوَابٍ آخَرَ دَالٍّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19592_32484_7990ثَبَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مُظْهِرُ دِينِهِ رَضِيَ مَنْ رَضِيَ وَسَخِطَ مَنْ سَخِطَ، لِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَى غَايَتِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_31048_34103_34189_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيِ الَّذِينَ هُمْ فِي حَيِّزِ الِاضْطِرَابِ، لَمْ تُرَقِّهِمْ هِمَمُهُمْ إِلَى رُتْبَةِ الثَّبَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إِنْ كُنْتُمْ أَيْ: كَوْنًا هُوَ كَالْجِبِلَّةِ مُنْغَمِسِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فِي شَكٍّ كَائِنٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104مِنْ جِهَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104دِينِي تَطْلُبُونَ لِنُزُولِهِ - بَعْدَ تَكَفُّلِ الْعَقْلِ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ - إِنْزَالَ الْآيَاتِ، فَأَنَا لَسْتُ عَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ دِينِي وَبُطْلَانِ دِينِكُمْ فَاعْرِضُوهُ عَلَى عُقُولِكُمْ وَانْظُرُوا مَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ مُسْتَحْضِرِينَ مَا لِدِينِكُمْ مِنَ الْوَهْيِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ وَنَحْوَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فَلا أَعْبُدُ أَيِ الْآنَ وَلَا فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الَّذِينَ تَعْبُدُونَ أَيِ الْآنَ أَوْ بَعْدَ الْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ضُرِّي، فَلَا تَطْمَعُوا فِي أَنَّهُ يَحْصُلُ لِي شَكٌّ بِسَبَبِ حُصُولِ الشَّكِّ
[ ص: 216 ] لَكُمْ، فَإِذًا لَا أَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ أَصْلًا.
وَلَمَّا كَانَ سَلْبُ عِبَادَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي إِثْبَاتِهَا لَهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ أَيِ الْجَامِعَ لِأَوْصَافِ الْكَمَالِ عِبَادَةً مُسْتَمِرَّةً; ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَذَرَ [مِنْهُ] وَيَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِانْتِزَاعِ أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي لَا شَيْءَ عِنْدَكُمْ يَعْدِلُهَا. فَلَا تَطْمَعُونَ - عِنْدَ إِرَادَتِهِ لِنَزْعِهَا - فِي الْمُحَاوَلَةِ لِتَوْجِيهِ دِفَاعٍ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي هَذَا الْوَصْفِ - مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّرْهِيبِ - إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30340الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِبْدَاءِ وَالْإِعَادَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الَّذِي أَوَجَدَكُمْ مِنْ عَدَمٍ كَمَا أَنْتُمْ بِهِ مُقِرُّونَ بِعَدِمِكُمْ بَعْدَ هَذَا الْإِيجَادِ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، فَثَبَتَ قَطْعًا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ بَعْدَ هَذَا الْإِعْدَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَاحْذَرُوهُ لِتَعْبُدُوهُ كَمَا أَعْبُدُهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ غَائِلَةَ الْمَلِكِ إِذَا خُولِفَ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مَعَ أَنَّهُمْ يُصَرِّحُونَ بِبُطْلَانِ دِينِهِ، لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الشَّاكِّ لِاضْطِرَابِهِمْ عِنْدَ وُرُودِ الْآيَاتِ، أَوْ لِأَنَّ فِيهِمُ الشَّاكَّ فَغَلَبَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَيِّزِ; وَالشَّكُّ: وُقُوفٌ بَيْنَ الْمَعْنَى وَنَقِيضِهِ، وَضِدُّهُ الِاعْتِقَادُ؛ فَإِنَّهُ قَطْعٌ بِصِحَّةِ الْمَعْنَى دُونَ نَقِيضِهِ، وَعَبَّرَ بِ: "مِنْ" إِشَارَةً إِلَى أَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ ابْتَدَأً مِنَ الدِّينِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِ: "فِي" لِأَفْهَمَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِيهِ لِأَنَّهُمْ فِي الشَّكِّ وَالشَّكِّ فِي الدِّينِ، وَالظَّرْفُ لِظَرْفِ الشَّيْءِ ظَرْفٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَتَرَكَ الْعَطْفَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ كُلَّ جَوَابٍ مِنْهَا كَافٍ عَلَى حِيَالِهِ.
[ ص: 217 ] وَلَمَّا قَرَّرَ مَا هُوَ الْحَقِيقُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، أَتْبَعَهُ بِمَا وَرَدَ مِنَ النَّقْلِ بِتَأْيِيدِهِ وَإِيجَابِهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَيْ: بِأَمْرٍ جَازِمٍ مَاضٍ مِمَّنْ لَا أَمْرَ لِأَحَدٍ مَعَهُ، [وَعَظَّمَ الْمَأْمُورَ بِهِ بِجَعْلِهِ عُمْدَةَ الْكَلَامِ بِإِقَامَتِهِ مَقَامَ الْفَاعِلِ فَقَالَ]:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104أَنْ أَكُونَ أَيْ: دَائِمًا كَوْنًا جِبِلِّيًّا، [وَلَمَّا كَانَ السِّيَاقُ لِمَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِنَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ، عَبَّرَ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ لِلْقَلْبِ فَقَالَ]:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيِ الرَّاسِخِينَ فِي هَذَا الْوَصْفِ
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_30513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ [أَيْ] أَيُّهَا الرَّسُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَجْهَكَ أَيْ: كُلِّيَّتَكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْلَاصِ الَّذِي لَا شَوْبَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105لِلدِّينِ فَوَصَلَ أَوَّلًا كَلِمَةَ "أَنْ" بِمَعْنَى الْأَمْرِ [أَيْ " أَنْ أَكُونَ " دُونَ "أَكُنْ"] وَثَانِيًا بِلَفْظِهِ [وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105أَقِمْ ] جَمْعًا بَيْنَ الْأُسْلُوبَيْنِ، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَخَصَّ الثَّانِيَ بِذَلِكَ لِطُولِهِ لِأَنَّهُ كَالتَّفْصِيلِ لِلْأَوَّلِ فَالْخِطَابُ فِيهِ أَوْكَدُ وَأَلَذُّ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105حَنِيفًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ "أَقِمْ" وَمَعْنَاهُ: مُسْلِمًا مَيَّالًا مَعَ الدَّلِيلِ - كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْبَقَرَةِ، أَيِ اجْمَعْ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28653_28647الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ وَالْإِسْلَامِ بِالْجَوَارِحِ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَلا تَكُونَنَّ أَيْ: فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى ضِدِّ صِفَةِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ وَالْجُمُودِ وَالْقَسْوَةِ.