الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمود ، ثنا مهران بن هارون ، ثنا أحمد بن القاسم الرازي ، ثنا عبيد الله بن عمر ، قال : قال ابن عيينة : من طلب الحديث فقد بايع الله .

              حدثنا محمد بن المظفر ، ثنا أبو بكر بن أبي داود ، ثنا علي بن خشرم ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : لو أن رجلا استقبل القبلة ، ثم ذكر الحديث ، لرجوت أن لا يقوم حتى يغفر له .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا أبو شعيب الحراني ، قال : سمعت أبا موسى يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : سمعت أبا خالد يقول : تحضر الحكمة بثلاث : الإنصات ، والاستماع ، والوعي ، وتلقح الحكمة بثلاث خصال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت .

              [ ص: 281 ] حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا أحمد بن أبي عوف ، ثنا أبو معمر ، قال : قال ابن عيينة : إن هذا العلم لا يخرج من وعاء قط إلا صار في دونه .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب - صاحب المغازي - قال : اجتمع الناس إلى سفيان بن عيينة ، فقال : من أحوج الناس إلى هذا العلم ؟ فسكتوا ، ثم قالوا : تكلم يا أبا محمد . قال : أحوج الناس إلى العلم العلماء ، وذلك أن الجهل بهم أقبح ؛ لأنهم غاية الناس ، وهم يسألون .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، ثنا الدامغاني ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : أتدرون ما مثل العلم؟ مثل العلم مثل دار الكفر ودار الإسلام ، فإن ترك أهل الإسلام الجهاد جاء أهل الكفر فأخذوا الإسلام ، وإن ترك الناس العلم صار الناس جهالا .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر وأحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الوليد البسري ، ثنا محمد بن جهضم ، ثنا سفيان ، قال : قيل لبعض الحكماء : ما الصبر ؟ قال : الذي يكون في الحال ، الذي إذا نزل به ما يكره صبر وكان مثل حاله الأول ، إذا لم يكن أصابه البلاء . وقال سفيان : أفضل العلم العلم بالله ، والعلم بأمر الله ، فإذا كان العبد عالما بالله وعالما بأمر الله ، فقد بلغ ، ولم تصل إلى العباد نعمة أفضل من العلم بالله والعلم بأمر الله ، ولم يصل إليهم عقوبة أشد من الجهل بالله والجهل بأمر الله . وقال سفيان : إذا أعجبك الصمت فتكلم ، وإذا أعجبك الكلام فاسكت . وقال سفيان : دعوا المراء لقلة خيره . وقال سفيان : كان يقال : أن يكون لك عدو صالح خير من أن يكون لك صديق فاسد ؛ لأن العدو الصالح يحجزه إيمانه أن يؤذيك أو ينالك بما تكره ، والصديق الفاسد لا يبالي ما نال منك . وقال سفيان : من قرأ القرآن يسأل عما يسأل عنه الأنبياء عليهم السلام إلا تبليغ الرسالة .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن يحيى بن الوليد البسري ، ثنا محمد بن جهضم ، ثنا سفيان ، قال : قالوا لبعض الحكماء : ما لكم أحرص الناس على طلب العلم ؟ [ ص: 282 ] قالوا : لأنا أعمل الناس به . وقال سفيان : قوله : السلام عليكم ، يقول : أنت مني سالم ، وأنا منك سالم ، ثم يدعو له ويقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فلا ينبغي لهذين إذا سلم بعضهما على بعض أن يذكره من خلفه بما لا ينبغي له من غيبة أو غيرها . قال سفيان : وقلت لمسعر : أتحب أن يجيئك رجل فيخبرك بعيوبك ؟ قال : إن كان ناصحا فنعم ، وإن كان إنما يريد أن يؤذيني ويوبخني فلا . وقال سفيان : يقال : لا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات ، إنما يغبط الميت إذا قيل : مات فلان ولم يترك شيئا .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا الحسن بن إبراهيم بن بشار ، ثنا أبو أيوب الشاذكوني ، ثنا سفيان ، قال : كان بعض العلماء يقول إذا صلى : اللهم اغفر لي ما فيها .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا الحسن بن إبراهيم ، ثنا أيوب ، ثنا سفيان ، عن بعض أهل العلم قال : لم يعبد الله بمثل العقل ، ولا يكون عاقلا حتى تكون فيه عشر خصال - فعد منها تسعة - حتى يكون الكبر منه مأمونا ، والرشد منه مأمولا ، وحتى يكون الذل أحب إليه من العز ، والفقر أحب إليه من الغنى ، وحتى يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثيره من نفسه ، وحتى يكون نصيبه من الدنيا القوت ، وحتى يكون طالبا للعلم طول عمره ، والأخرى شاد بها مجده ، وعلا بها ذكره ، ولا يلقاه أحد إلا رأى نفسه دونه .

              وقال سفيان : قال علي : العمل الصالح : الذي لا تحب أن يحمدك عليه أحد إلا الله .

              حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ، ثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني أبو عبد الله الرازي ، قال : قال سفيان بن عيينة : إذا أظهر العبد لباسا ، وسريرته مثل ما أظهر من لباسه ، كتبه الله عنده من أهل العدل ، فإن زل فيما بينه وبين ربه بذنب لم يطلع الناس عليه كتبه الله عنده من الجائرين ؛ لأن ذنبه مخالف للباسه ، فإذا أظهر العبد لباسا ، وسريرته أحسن من لباسه كتبه الله عنده من أهل الفضل ، فإن زل فيما بينه وبين ربه بذنب لم يطلع الناس عليه رده الله عن الفضل إلى العدل ، ولم يكتبه من الجائرين ؛ لأن [ ص: 283 ] ذنبه محتمل للباسه ، فكم من جارين متجاورين ، هذا يظهر للناس التجارة يطلع الله من قلبه على أنه زاهد في الدنيا ، وهذا يظهر للناس الزهد ، يطلع الله من قلبه على أنه محب للدنيا .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو بكر ، ثنا أبو بكر بن مكرم ، ثنا مشرف الواسطي ، ثنا عمر بن السكن ، قال : كنت عند سفيان بن عيينة ، فقام إليه رجل من أهل بغداد ، فقال : يا أبا محمد ، أخبرني عن قول مطرف : لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر ، أهو أحب إليك أم قول أخيه أبي العلاء : اللهم رضيت لنفسي ما رضيت لي ؟ قال : فسكت سكتة ، ثم قال : قول مطرف أحب إلي . فقال الرجل : كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضيه الله له ؟ فقال سفيان : إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان عليه السلام مع العافية التي كان فيها : ( نعم العبد إنه أواب ) ، ووجدت صفة أيوب عليه السلام مع البلاء الذي كان فيه ( نعم العبد إنه أواب ) فاستوت الصفتان ، وهذا معافى ، وهذا مبتلى ، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر ، فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا الحسن بن هارون ، ثنا سليمان بن داود الشاذكوني ح . وحدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو سعيد المعيني ، ثنا أحمد بن عبدة ، قالا : ثنا سفيان ، قال : كان يقال : دع الكبر والفخر ، واذكر طول الثواء في القبر .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا سفيان ، قال : قال أبو الدرداء : إنكم لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم ، وقيل فيكم بالحق فعرف ، ويل لكم إذا كان العالم فيكم كالشاة النطيح . وكان يقول : اللهم متعنا بخيارنا ، وأعنا على شرارنا ، واجعلنا خيارا كلنا ، واجعل أمرنا عند خيارنا ، وإذا أذهبت الصالحين فلا تبقنا بعدهم .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا سفيان ، قال : قال بعضهم : قد ورد الأول ، والآخر مساق متعب ، وقد تقارب عطاء جزل ، وسلب فاحش ، فأصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ؛ فإن [ ص: 284 ] الحق للخالق ، والشكر للمنعم ، وإنما الحياة بعد الموت ، وإنما البقاء بعد القيامة .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا سفيان . قال : كان رجل عالم وآخر عابد ، فقال العالم للعابد : ما لك لا تأتيني والناس يأتوني ويحتاجون إلى علمي ؟ قال : أنا أحسن شيئا قليلا وأنا أعمل به ، فإذا فني أتيتك .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو سعيد المعيني ، ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا سفيان بن عيينة ، قال : الغل هو الحسد ، فما خرج منه فهو الشر ، وما بقي منه فهو الغل ، وليس يسلم أحد أن يكون فيه شيء من الحسد .

              وكان يقال : الجهاد عشرة ، فجهاد العدو واحد ، وجهادك نفسك تسعة .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح ، ثنا حيان بن نافع بن صخرة بن جويرية ، ثنا سفيان بن عيينة . قال : كان يقال : جالس الحكماء ؛ فإن مجالستهم غنيمة ، وصحبتهم سليمة ، ومؤاخاتهم كريمة .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، عن حسين بن زياد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : وسئل عن قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) . قال : هو أن تعمل به ، وتدعو إليه ، وتعين فيه ، وتدل عليه .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا سلمة ، ثنا سهيل ، قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ح . وحدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا هارون بن سفيان ، ثنا إسحاق بن منيب ، قال : قال سفيان بن عيينة : لم يعرفوا حتى يحبوا أن لا يعرفوا .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، قال : سمعت ابن مكرم يقول : سمعت أحمد بن إبراهيم الدورقي يقول : سمعت سلمة بن عفان يذكر عن ابن عيينة ، قال : لأن [ ص: 285 ] يقال فيك الشر وليس فيك خير من أن يقال فيك الخير وهو فيك ، ثم تلا : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن الصباح ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إني لأغضب على نفسي إذا رأيتكم تأتوني ، أقول : لم يأتني هؤلاء إلا من خير يظنون بي .

              حدثنا أبو حامد بن محمد بن الحسين ، ثنا الحسين بن محمد الجعيني ، ثنا محمد بن حسان ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية