الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 121 ] ما تقول السادة العلماء - أئمة الدين وهداة المسلمين : -
في كتاب بين أظهر الناس زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في منام زعم أنه رآه ; وأكثر كتابه ضد لما أنزله الله من كتبه المنزلة وعكس وضد عن أقوال أنبيائه المرسلة ; فمما قال فيه : إن آدم عليه السلام إنما سمي إنسانا لأنه للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر .
وقال في موضع آخر : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه . وقال في قوم نوح عليه السلام إنهم لو تركوا عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر : لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء . ثم قال : فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله . فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى [ عبد ] وأن التفريق والكثرة : كالأعضاء في الصورة المحسوسة .
ثم قال في قوم هود عليه السلام بأنهم حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق مما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة فإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها وكانوا على صراط الرب المستقيم .
[ ص: 122 ] ثم إنه أنكر فيه حكم الوعيد في حق كل من حقت [ عليه ] كلمة العذاب من سائر العبيد فهل يكفر من يصدقه في ذلك أم لا ؟ أو يرضى به منه أم لا ؟ وهل يأثم سامعه إذا كان عاقلا بالغا ولم ينكره بلسانه أو بقلبه أم لا ؟ أفتونا بالوضوح والبيان كما أخذ الميثاق للتبيان فقد أضر الإهمال بالضعفاء والجهال والله المستعان وعليه الاتكال أن يعجل بالملحدين النكال ; لصلاح الحال وحسم مادة الضلال .
الحمد لله - هذه الكلمات المذكورة المنكورة : كل كلمة منها هي من الكفر الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين ; واليهود والنصارى ; فضلا عن كونه كفرا في شريعة الإسلام .
فإن nindex.php?page=treesubj&link=28660قول القائل : إن آدم للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر : يقتضي أن آدم جزء من الحق تعالى وتقدس وبعض منه وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه ; وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم وهو معروف من أقوالهم .
الكلمة الثانية : توافق ذلك وهو قوله : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه .
وقال في موضع : وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال : إن العالم صورته وهويته .
وقال : ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما ثم إلا هو وعن ماذا وما هو إلا هو فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات .
فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو . إلى أن قال : فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من ينطق عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه - وهو المسمى أبو سعيد الخراز - وغير ذلك من أسماء المحدثات .
إلى أن قال : فالعلي لنفسه : هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة . وقال : ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ؟ وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص والذم ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق فهي من أولها إلى آخرها صفات له كما هي صفات المحدثات حق للحق وأمثال هذا الكلام .
فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله [ ص: 124 ] مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري nindex.php?page=showalam&ids=12831وابن الفارض وأتباعهم ; مذهبهم الذي هم عليه : أن الوجود واحد ; ويسمون nindex.php?page=treesubj&link=28660أهل وحدة الوجود ويدعون التحقيق والعرفان وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم : عين الخالق وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلا ; بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه .
ومن كلماتهم : ليس إلا الله . فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم لأنه ما عندهم له غير ; ولهذا جعلوا قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ; إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته فكل عابد صنم إنما عبد الله .
ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب : عباد العجل مصيبين وذكر أن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم عبادة العجل . وقال : كان موسى أعلم بالأمر من هارون ; لأنه علم ما عبده أصحاب العجل ; لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبدوا إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع ; فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتباعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء .
ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين وأنه كان مصيبا في دعواه الربوبية . كما قال في هذا الكتاب : ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه جار في العرف الناموسي لذلك . قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى } [ ص: 125 ] أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما : فأنا الأعلى منهم ; بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيهم .
ويكفيك معرفة بكفرهم : أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمنا ; بريا من الذنوب كما قال : وكان موسى قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله .
وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى : أن فرعون من أكفر الخلق بالله ; بل لم يقص الله في القرآن قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وعلوه : أعظم مما ذكر عن فرعون .
وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب فإن لفظ آل فرعون : كلفظ آل إبراهيم وآل لوط وآل داود وآل أبي أوفى ; يدخل فيها المضاف باتفاق الناس فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس أو من هو من أعظم أعدائه : فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله : علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى فكيف بسائر مقالاتهم ؟ .
[ ص: 126 ] وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها : على أن nindex.php?page=treesubj&link=28660_28707_29442الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته .
والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان وكان مما أنكروه عليهم : أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية ؟ تعالى الله عن ذلك . فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار ؟ .
واتفق سلف الأمة وأئمتها : أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته . ولا في أفعاله وقال : من قال من الأئمة nindex.php?page=treesubj&link=29442من شبه الله بخلقه فقد كفر nindex.php?page=treesubj&link=28660_29442ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها . وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء ؟ فإن هؤلاء غاية كفرهم : أن يجعلوه مثل المخلوقات .
لكن يقولون : هو قديم وهي محدثة وهؤلاء جعلوه عين المخلوقات وجعلوه نفس الأجسام المصنوعات ووصفوه بجميع النقائص والآفات التي يوصف بهما كل كافر وكل فاجر وكل شيطان وكل سبع وكل حية من الحيات فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم وسبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .
والله تعالى ينتقم لنفسه ولدينه ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين منهم .
ولما قرءوا هذا الكتاب المذكور على أفضل متأخريهم ; قال له قائل : هذا الكتاب يخالف القرآن . فقال : القرآن كله شرك . وإنما التوحيد في كلامنا هذا : يعني أن القرآن يفرق بين الرب والعبد وحقيقة التوحيد عندهم أن الرب هو العبد ; فقال له القائل : فأي فرق بين زوجتي وبنتي إذا ؟ قال : لا فرق لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم .
وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم إنها كفر : لم يفهم هذا اللفظ حالها فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة بل كفر كل كافر جزء من كفرهم ; ولهذا قيل لرئيسهم أنت نصيري . فقال : نصير جزء مني وكان nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية وهؤلاء شر من أولئك الجهمية فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان وهؤلاء قولهم أنه وجود كل مكان ; ما عندهم موجودان ; أحدهما حال والآخر محل .
ولهذا قالوا : إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين وقد علم المسلمون واليهود والنصارى ; بالاضطرار من دين المرسلين : أن nindex.php?page=treesubj&link=28660من قال عن أحد من البشر إنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل إذ النصارى لم تقل هذا [ ص: 128 ] - وإن كان قولها من أعظم الكفر - لم يقل أحد إن عين المخلوقات هي جزء الخالق ولا أن الخالق هو المخلوق ولا الحق المنزه هو الخلق المشبه .
وهذا أكثر وأظهر عند أهل الملل من . اليهود والنصارى - فضلا عن المسلمين - من أن يحتاج أن يستشهد عليه بنص خاص فمن قال : إن عباد الأصنام لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء فهو أكفر من [ ص: 129 ] اليهود والنصارى ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى ; فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام فكيف nindex.php?page=treesubj&link=28660من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق بقدر ما ترك منها ؟ مع قوله : فإن العالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود بل هو أعظم من كفر عباد الأصنام ; فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط كما قالوا : { nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . وقال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } .
وهؤلاء أعظم كفرا من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابدا لله لا عابدا لغيره وأن الأصنام من الله ; بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان [ ص: 130 ] وبمنزلة قوى النفس من النفس ; وعباد الأصنام : اعترفوا بأنها غيره وأنها مخلوقة ومن جهة أن عباد الأصنام من العرب : كانوا مقرين بأن للسموات والأرض ربا غيرهما خلقهما وهؤلاء ليس عندهم للسموات والأرض وسائر المخلوقات رب مغاير للسموات والأرض وسائر المخلوقات بل المخلوق هو الخالق .
ولهذا جعل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم وجعلهم في عين القرب وجعل أهل النار يتمتعون في النار كما يتمتع أهل الجنة في الجنة .
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام : أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه وسائر nindex.php?page=treesubj&link=28660من قص الله قصته من الكفار أعداء الله وأنهم معذبون في الآخرة وأن الله لعنهم وغضب عليهم فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم : فهو أكفر من اليهود والنصارى من هذا الوجه .
وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء وبيان كفرهم وإلحادهم فإنهم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل كما قال الشيخ إبراهيم الجعبري لما اجتمع بابن عربي - صاحب هذا الكتاب - فقال : رأيته شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله .
[ ص: 131 ] وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام - لما قدم القاهرة وسألوه عنه - قال : هو شيخ سوء كذاب مقبوح يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا فقوله : يقول بقدم العالم ; لأن هذا قوله وهذا كفر معروف فكفره الفقيه أبو محمد بذلك ولم يكن بعد ظهر من قوله : إن العالم هو الله وإن العالم صورة الله وهوية الله فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود ويقولون إنه صدر عنه الوجود الممكن .
وقال عنه من عاينه من الشيوخ : إنه كان كذابا مفتريا وفي كتبه - مثل الفتوحات المكية وأمثالها - من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب - هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه فإذا كان الأقرب بهذا الكفر - الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى - فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام ؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر .
ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لم يعرف حالهم كما التبس أمر القرامطة الباطنية لما ادعوا أنهم فاطميون وانتسبوا إلى التشيع فصار المتبعون مائلين إليهم غير عالمين بباطن كفرهم .
ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين : إما زنديقا منافقا ; وإما جاهلا ضالا .
وهكذا هؤلاء الاتحادية : فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم ولا تقبل توبة [ ص: 132 ] أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة فإنه من أعظم nindex.php?page=treesubj&link=25005الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو أو من قال إنه صنف هذا الكتاب وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ; بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ; لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء وهم يسعون في الأرض فسادا ويصدون عن سبيل الله .
فضررهم في الدين : أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم ولا يستهين بهم من لم يعرفهم فضلالهم وإضلالهم : أعظم من أن يوصف وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية .
ولهذا هم يريدون دولة التتار ويختارون انتصارهم على المسلمين إلا من كان عاميا من شيعهم وأتباعهم فإنه لا يكون عارفا بحقيقة أمرهم .
ولهذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه ويجعلونهم على حق كما يجعلون عباد الأصنام على حق وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر nindex.php?page=treesubj&link=28660ومن [ ص: 133 ] كان محسنا للظن بهم - وادعى أنه لم يعرف حالهم - عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=28660من قال لكلامهم تأويل يوافق الشريعة ; فإنه من رءوسهم وأئمتهم ; فإنه إن كان ذكيا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله وإن كان معتقدا لهذا باطنا وظاهرا فهو أكفر من النصارى فمن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلا كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد . والله أعلم .
فأجاب : -
الحمد لله - هذه الكلمات المذكورة المنكورة : كل كلمة منها هي من الكفر الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين ; واليهود والنصارى ; فضلا عن كونه كفرا في شريعة الإسلام .
فإن nindex.php?page=treesubj&link=28660قول القائل : إن آدم للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر : يقتضي أن آدم جزء من الحق تعالى وتقدس وبعض منه وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه ; وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم وهو معروف من أقوالهم .
الكلمة الثانية : توافق ذلك وهو قوله : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه .
وقال في موضع : وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال : إن العالم صورته وهويته .
وقال : ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما ثم إلا هو وعن ماذا وما هو إلا هو فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات .
فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو . إلى أن قال : فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من ينطق عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه - وهو المسمى أبو سعيد الخراز - وغير ذلك من أسماء المحدثات .
إلى أن قال : فالعلي لنفسه : هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة . وقال : ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ؟ وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص والذم ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق فهي من أولها إلى آخرها صفات له كما هي صفات المحدثات حق للحق وأمثال هذا الكلام .
فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله [ ص: 124 ] مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري nindex.php?page=showalam&ids=12831وابن الفارض وأتباعهم ; مذهبهم الذي هم عليه : أن الوجود واحد ; ويسمون nindex.php?page=treesubj&link=28660أهل وحدة الوجود ويدعون التحقيق والعرفان وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم : عين الخالق وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلا ; بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه .
ومن كلماتهم : ليس إلا الله . فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم لأنه ما عندهم له غير ; ولهذا جعلوا قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ; إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته فكل عابد صنم إنما عبد الله .
ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب : عباد العجل مصيبين وذكر أن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم عبادة العجل . وقال : كان موسى أعلم بالأمر من هارون ; لأنه علم ما عبده أصحاب العجل ; لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبدوا إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع ; فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتباعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء .
ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين وأنه كان مصيبا في دعواه الربوبية . كما قال في هذا الكتاب : ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه جار في العرف الناموسي لذلك . قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى } [ ص: 125 ] أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما : فأنا الأعلى منهم ; بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيهم .
ويكفيك معرفة بكفرهم : أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمنا ; بريا من الذنوب كما قال : وكان موسى قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله .
وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى : أن فرعون من أكفر الخلق بالله ; بل لم يقص الله في القرآن قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وعلوه : أعظم مما ذكر عن فرعون .
وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب فإن لفظ آل فرعون : كلفظ آل إبراهيم وآل لوط وآل داود وآل أبي أوفى ; يدخل فيها المضاف باتفاق الناس فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس أو من هو من أعظم أعدائه : فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله : علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى فكيف بسائر مقالاتهم ؟ .
[ ص: 126 ] وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها : على أن nindex.php?page=treesubj&link=28660_28707_29442الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته .
والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان وكان مما أنكروه عليهم : أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية ؟ تعالى الله عن ذلك . فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار ؟ .
واتفق سلف الأمة وأئمتها : أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته . ولا في أفعاله وقال : من قال من الأئمة nindex.php?page=treesubj&link=29442من شبه الله بخلقه فقد كفر nindex.php?page=treesubj&link=28660_29442ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها . وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء ؟ فإن هؤلاء غاية كفرهم : أن يجعلوه مثل المخلوقات .
لكن يقولون : هو قديم وهي محدثة وهؤلاء جعلوه عين المخلوقات وجعلوه نفس الأجسام المصنوعات ووصفوه بجميع النقائص والآفات التي يوصف بهما كل كافر وكل فاجر وكل شيطان وكل سبع وكل حية من الحيات فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم وسبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .
والله تعالى ينتقم لنفسه ولدينه ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين منهم .
ولما قرءوا هذا الكتاب المذكور على أفضل متأخريهم ; قال له قائل : هذا الكتاب يخالف القرآن . فقال : القرآن كله شرك . وإنما التوحيد في كلامنا هذا : يعني أن القرآن يفرق بين الرب والعبد وحقيقة التوحيد عندهم أن الرب هو العبد ; فقال له القائل : فأي فرق بين زوجتي وبنتي إذا ؟ قال : لا فرق لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم .
وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم إنها كفر : لم يفهم هذا اللفظ حالها فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة بل كفر كل كافر جزء من كفرهم ; ولهذا قيل لرئيسهم أنت نصيري . فقال : نصير جزء مني وكان nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية وهؤلاء شر من أولئك الجهمية فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان وهؤلاء قولهم أنه وجود كل مكان ; ما عندهم موجودان ; أحدهما حال والآخر محل .
ولهذا قالوا : إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين وقد علم المسلمون واليهود والنصارى ; بالاضطرار من دين المرسلين : أن nindex.php?page=treesubj&link=28660من قال عن أحد من البشر إنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل إذ النصارى لم تقل هذا [ ص: 128 ] - وإن كان قولها من أعظم الكفر - لم يقل أحد إن عين المخلوقات هي جزء الخالق ولا أن الخالق هو المخلوق ولا الحق المنزه هو الخلق المشبه .
وهذا أكثر وأظهر عند أهل الملل من . اليهود والنصارى - فضلا عن المسلمين - من أن يحتاج أن يستشهد عليه بنص خاص فمن قال : إن عباد الأصنام لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء فهو أكفر من [ ص: 129 ] اليهود والنصارى ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى ; فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام فكيف nindex.php?page=treesubj&link=28660من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق بقدر ما ترك منها ؟ مع قوله : فإن العالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود بل هو أعظم من كفر عباد الأصنام ; فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط كما قالوا : { nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . وقال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } .
وهؤلاء أعظم كفرا من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابدا لله لا عابدا لغيره وأن الأصنام من الله ; بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان [ ص: 130 ] وبمنزلة قوى النفس من النفس ; وعباد الأصنام : اعترفوا بأنها غيره وأنها مخلوقة ومن جهة أن عباد الأصنام من العرب : كانوا مقرين بأن للسموات والأرض ربا غيرهما خلقهما وهؤلاء ليس عندهم للسموات والأرض وسائر المخلوقات رب مغاير للسموات والأرض وسائر المخلوقات بل المخلوق هو الخالق .
ولهذا جعل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم وجعلهم في عين القرب وجعل أهل النار يتمتعون في النار كما يتمتع أهل الجنة في الجنة .
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام : أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه وسائر nindex.php?page=treesubj&link=28660من قص الله قصته من الكفار أعداء الله وأنهم معذبون في الآخرة وأن الله لعنهم وغضب عليهم فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم : فهو أكفر من اليهود والنصارى من هذا الوجه .
وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء وبيان كفرهم وإلحادهم فإنهم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل كما قال الشيخ إبراهيم الجعبري لما اجتمع بابن عربي - صاحب هذا الكتاب - فقال : رأيته شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله .
[ ص: 131 ] وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام - لما قدم القاهرة وسألوه عنه - قال : هو شيخ سوء كذاب مقبوح يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا فقوله : يقول بقدم العالم ; لأن هذا قوله وهذا كفر معروف فكفره الفقيه أبو محمد بذلك ولم يكن بعد ظهر من قوله : إن العالم هو الله وإن العالم صورة الله وهوية الله فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود ويقولون إنه صدر عنه الوجود الممكن .
وقال عنه من عاينه من الشيوخ : إنه كان كذابا مفتريا وفي كتبه - مثل الفتوحات المكية وأمثالها - من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب - هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه فإذا كان الأقرب بهذا الكفر - الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى - فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام ؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر .
ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لم يعرف حالهم كما التبس أمر القرامطة الباطنية لما ادعوا أنهم فاطميون وانتسبوا إلى التشيع فصار المتبعون مائلين إليهم غير عالمين بباطن كفرهم .
ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين : إما زنديقا منافقا ; وإما جاهلا ضالا .
وهكذا هؤلاء الاتحادية : فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم ولا تقبل توبة [ ص: 132 ] أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة فإنه من أعظم nindex.php?page=treesubj&link=25005الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو أو من قال إنه صنف هذا الكتاب وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ; بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ; لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء وهم يسعون في الأرض فسادا ويصدون عن سبيل الله .
فضررهم في الدين : أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم ولا يستهين بهم من لم يعرفهم فضلالهم وإضلالهم : أعظم من أن يوصف وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية .
ولهذا هم يريدون دولة التتار ويختارون انتصارهم على المسلمين إلا من كان عاميا من شيعهم وأتباعهم فإنه لا يكون عارفا بحقيقة أمرهم .
ولهذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه ويجعلونهم على حق كما يجعلون عباد الأصنام على حق وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر nindex.php?page=treesubj&link=28660ومن [ ص: 133 ] كان محسنا للظن بهم - وادعى أنه لم يعرف حالهم - عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=28660من قال لكلامهم تأويل يوافق الشريعة ; فإنه من رءوسهم وأئمتهم ; فإنه إن كان ذكيا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله وإن كان معتقدا لهذا باطنا وظاهرا فهو أكفر من النصارى فمن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلا كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد . والله أعلم .