فصل وليس
للقدرية أن يحتجوا بالآية لوجوه : منها : أنهم يقولون : فعل العبد - حسنة كان أو سيئة - هو منه لا من الله .
بل الله قد أعطى كل واحد من الاستطاعة ما يفعل به الحسنات والسيئات . لكن هذا عندهم : أحدث إرادة فعل بها الحسنات . وهذا أحدث إرادة فعل بها السيئات . وليس واحد منهما من إحداث الرب عندهم . والقرآن قد فرق بين الحسنات والسيئات . وهم لا يفرقون في الأعمال بين الحسنات والسيئات إلا من جهة الأمر . لا من جهة كون الله خلق فيه الحسنات دون السيئات .
بل هو عندهم لم يخلق لا هذا ولا هذا . لكن منهم من يقول : بأنه يحدث من الأعمال الحسنة والسيئة : ما يكون جزاء . كما يقوله
أهل السنة .
[ ص: 247 ] لكن على هذا : فليست عندهم كل الحسنات من الله . ولا كل السيئات . بل بعض هذا وبعض هذا . الثاني : أنه قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كل من عند الله } فجعل الحسنات من عند الله كما جعل السيئات من عند الله .
وهم لا يقولون بذلك في الأعمال . بل في الجزاء . وقوله - بعد هذا - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79من سيئة } مثل قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم حسنة } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة }
. الثالث : أن الآية أريد بها : النعم والمصائب . كما تقدم . وليس
للقدرية المجبرة أن تحتج بهذه الآية على نفي أعمالهم التي استحقوا بها العقاب . فإن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كل من عند الله } هو النعم والمصائب .
ولأن
قوله { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } حجة عليهم . وبيان أن
الإنسان هو فاعل السيئات . وأنه يستحق عليها العقاب . والله ينعم عليه بالحسنات - عملها وجزائها - فإنه إذا كان ما أصابهم من حسنة فهو من الله : فالنعم من الله . سواء كانت ابتداء أو كانت جزاء .
وإذا كانت جزاء - وهي من الله - : فالعمل الصالح الذي كان سببها : هو أيضا من الله . أنعم بهما الله على العبد . وإلا فلو كان هو من نفسه - كما كانت السيئات من نفسه - لكان كل ذلك من نفسه . والله تعالى قد فرق بين النوعين في الكتاب والسنة . كما في الحديث الصحيح الإلهي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597563عن الله يا عبادي إنما هي أعمالكم [ ص: 248 ] أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها .
فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=36وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=41ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=76وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } وقال تعالى للمؤمنين {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } وقد أمروا أن يقولوا في الصلاة {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
. فصل وقد ظن طائفة : أن في الآية إشكالا أو تناقضا في الظاهر حيث قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كل من عند الله } ثم فرق بين الحسنات والسيئات . فقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } .
[ ص: 249 ] وهذا من قلة فهمهم وعدم تدبرهم الآية . وليس في الآية تناقض . لا في ظاهرها ولا في باطنها . لا في لفظها ولا معناها . فإنه ذكر عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض الناكصين عن الجهاد . ما ذكره بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } هذا يقولونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي بسبب ما أمرتنا به من دينك والرجوع عما كنا عليه : أصابتنا هذه السيئات . لأنك أمرتنا بما أوجبها .
فالسيئات : هي المصائب والأعمال التي ظنوا أنها سبب المصائب : هو أمرهم بها . وقولهم " من عندك " تتناول مصائب الجهاد التي توجب الهزيمة لأنه أمرهم بالجهاد . وتتناول أيضا مصائب الرزق على جهة التشاؤم والتطير . أي هذا عقوبة لنا بسبب دينك . كما كان
قوم فرعون يتطيرون
بموسى وبمن معه . وكما قال أهل القرية للمرسلين {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18إنا تطيرنا بكم } وكما قال الكفار من
ثمود لصالح ولقومه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47اطيرنا بك وبمن معك } فكانوا يقولون عما يصيبهم - من الحرب والزلزال والجراح والقتل وغير ذلك مما يحصل من العدو - : هو منك . لأنك أمرتنا بالأعمال الموجبة لذلك . ويقولون عن هذا وعن المصائب السمائية : إنها منك . أي بسبب طاعتنا لك واتباعنا لدينك : أصابتنا هذه
[ ص: 250 ] المصائب كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة }
. فهذا يتناول كل من جعل طاعة الرسول وفعل ما بعث به : مسببا لشر أصابه : إما من السماء . وإما من آدمي . وهؤلاء كثيرون . لم يقولوا " هذه من عندك " بمعنى : أنك أنت الذي أحدثتها . فإنهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدث شيئا من ذلك ولم يكن قولهم " من عندك " خطابا من بعضهم لبعض .
بل هو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم . ومن فهم هذا تبين له أن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } لا يناقض قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كل من عند الله } بل هو محقق له . لأنهم - هم ومن أشبههم إلى يوم القيامة - يجعلون ما جاء به الرسول والعمل به : سببا لما قد يصيبهم من مصائب . وكذلك من أطاعه إلى يوم القيامة . وكانوا تارة يقدحون فيما جاء به ويقولون : ليس هذا مما أمر الله به . ولو كان مما أمر الله به : لما جرى على أهله هذا البلاء .
[ ص: 251 ] وتارة لا يقدحون في الأصل . لكن يقدحون في القضية المعينة . فيقولون : هذا بسوء تدبير الرسول . كما قال
عبد الله بن أبي ابن سلول يوم
أحد - إذ كان رأيه مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخرجوا من
المدينة - فسأله صلى الله عليه وسلم ناس ممن كان لهم رغبة في الجهاد : أن يخرج . فوافقهم ودخل بيته ولبس لامته .
فلما لبس لأمته ندموا . وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنت أعلم . فإن شئت أن لا نخرج فلا نخرج . فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597564ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه } يعني : أن الجهاد يلزم بالشروع كما يلزم الحج .
لا يجوز ترك ما شرع فيه منه إلا عند العجز بالإحصار في الحج .
فَصْلٌ وَلَيْسَ
لِلْقَدَرِيَّةِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِالْآيَةِ لِوُجُوهِ : مِنْهَا : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : فِعْلُ الْعَبْدِ - حَسَنَةً كَانَ أَوْ سَيِّئَةً - هُوَ مِنْهُ لَا مِنْ اللَّهِ .
بَلْ اللَّهُ قَدْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ مَا يَفْعَلُ بِهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ . لَكِنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ : أَحْدَثَ إرَادَةً فَعَلَ بِهَا الْحَسَنَاتِ . وَهَذَا أَحْدَثَ إرَادَةً فَعَلَ بِهَا السَّيِّئَاتِ . وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إحْدَاثِ الرَّبِّ عِنْدَهُمْ . وَالْقُرْآنُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ . وَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَعْمَالِ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ . لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ اللَّهِ خَلَقَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ دُونَ السَّيِّئَاتِ .
بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يَخْلُقْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا . لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بِأَنَّهُ يُحْدِثُ مِنْ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ : مَا يَكُونُ جَزَاءً . كَمَا يَقُولُهُ
أَهْلُ السُّنَّةِ .
[ ص: 247 ] لَكِنْ عَلَى هَذَا : فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ كُلُّ الْحَسَنَاتِ مِنْ اللَّهِ . وَلَا كُلُّ السَّيِّئَاتِ . بَلْ بَعْضُ هَذَا وَبَعْضُ هَذَا . الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } فَجَعَلَ الْحَسَنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا جَعَلَ السَّيِّئَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ . بَلْ فِي الْجَزَاءِ . وَقَوْلُهُ - بَعْدَ هَذَا - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مِنْ سَيِّئَةٍ } مِثْلُ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }
. الثَّالِثُ : أَنَّ الْآيَةَ أُرِيدَ بِهَا : النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ . كَمَا تَقَدَّمَ . وَلَيْسَ
لِلْقَدَرِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ أَنْ تَحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَفْيِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْعِقَابَ . فَإِنَّ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } هُوَ النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ .
وَلِأَنَّ
قَوْلَهُ { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ . وَبَيَانُ أَنَّ
الْإِنْسَانَ هُوَ فَاعِلُ السَّيِّئَاتِ . وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْعِقَابَ . وَاَللَّهُ يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِالْحَسَنَاتِ - عَمَلِهَا وَجَزَائِهَا - فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ حَسَنَةٍ فَهُوَ مِنْ اللَّهِ : فَالنِّعَمُ مِنْ اللَّهِ . سَوَاءٌ كَانَتْ ابْتِدَاءً أَوْ كَانَتْ جَزَاءً .
وَإِذَا كَانَتْ جَزَاءً - وَهِيَ مِنْ اللَّهِ - : فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ سَبَبَهَا : هُوَ أَيْضًا مِنْ اللَّهِ . أَنْعَمَ بِهِمَا اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ . وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ - كَمَا كَانَتْ السَّيِّئَاتُ مِنْ نَفْسِهِ - لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597563عَنْ اللَّهِ يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ [ ص: 248 ] أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا .
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ . وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=36وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=41ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=76وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وَقَالَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا فِي الصَّلَاةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }
. فَصْلٌ وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ : أَنَّ فِي الْآيَةِ إشْكَالًا أَوْ تَنَاقُضًا فِي الظَّاهِرِ حَيْثُ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ . فَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } .
[ ص: 249 ] وَهَذَا مِنْ قِلَّةِ فَهْمِهِمْ وَعَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ الْآيَةَ . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ تَنَاقُضٌ . لَا فِي ظَاهِرِهَا وَلَا فِي بَاطِنِهَا . لَا فِي لَفْظِهَا وَلَا مَعْنَاهَا . فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ النَّاكِصِينَ عَنْ الْجِهَادِ . مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } هَذَا يَقُولُونَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ بِسَبَبِ مَا أَمَرْتنَا بِهِ مِنْ دِينِك وَالرُّجُوعِ عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ : أَصَابَتْنَا هَذِهِ السَّيِّئَاتُ . لِأَنَّك أَمَرْتنَا بِمَا أَوْجَبَهَا .
فَالسَّيِّئَاتُ : هِيَ الْمَصَائِبُ وَالْأَعْمَالُ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا سَبَبُ الْمَصَائِبِ : هُوَ أَمَرَهُمْ بِهَا . وَقَوْلُهُمْ " مِنْ عِنْدِك " تَتَنَاوَلُ مَصَائِبَ الْجِهَادِ الَّتِي تُوجِبُ الْهَزِيمَةَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ . وَتَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَصَائِبَ الرِّزْقِ عَلَى جِهَةِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ . أَيْ هَذَا عُقُوبَةٌ لَنَا بِسَبَبِ دِينِك . كَمَا كَانَ
قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَتَطَيَّرُونَ
بِمُوسَى وَبِمَنْ مَعَهُ . وَكَمَا قَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لِلْمُرْسَلِينَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } وَكَمَا قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ
ثَمُودَ لِصَالِحِ وَلِقَوْمِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ } فَكَانُوا يَقُولُونَ عَمَّا يُصِيبُهُمْ - مِنْ الْحَرْبِ وَالزِّلْزَالِ وَالْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ الْعَدُوِّ - : هُوَ مِنْك . لِأَنَّك أَمَرْتنَا بِالْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ . وَيَقُولُونَ عَنْ هَذَا وَعَنْ الْمَصَائِبِ السمائية : إنَّهَا مِنْك . أَيْ بِسَبَبِ طَاعَتِنَا لَك وَاتِّبَاعِنَا لِدِينِك : أَصَابَتْنَا هَذِهِ
[ ص: 250 ] الْمَصَائِبُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ }
. فَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ جَعَلَ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَفِعْلَ مَا بُعِثَ بِهِ : مُسَبِّبًا لِشَرِّ أَصَابَهُ : إمَّا مِنْ السَّمَاءِ . وَإِمَّا مِنْ آدَمِيٍّ . وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ . لَمْ يَقُولُوا " هَذِهِ مِنْ عِنْدِك " بِمَعْنَى : أَنَّك أَنْتَ الَّذِي أَحْدَثْتهَا . فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ " مِنْ عِنْدِك " خِطَابًا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ .
بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَنْ فَهِمَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } بَلْ هُوَ مُحَقِّقٌ لَهُ . لِأَنَّهُمْ - هُمْ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - يَجْعَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَالْعَمَلُ بِهِ : سَبَبًا لِمَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْ مَصَائِبَ . وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَكَانُوا تَارَةً يَقْدَحُونَ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَيَقُولُونَ : لَيْسَ هَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ . وَلَوْ كَانَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ : لَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِهِ هَذَا الْبَلَاءُ .
[ ص: 251 ] وَتَارَةً لَا يَقْدَحُونَ فِي الْأَصْلِ . لَكِنْ يَقْدَحُونَ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ . فَيَقُولُونَ : هَذَا بِسُوءِ تَدْبِيرِ الرَّسُولِ . كَمَا قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي ابْنِ سلول يَوْمَ
أُحُدٍ - إذْ كَانَ رَأْيُهُ مَعَ رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ
الْمَدِينَةِ - فَسَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ : أَنْ يَخْرُجَ . فَوَافَقَهُمْ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَبِسَ لَامَّتَهُ .
فَلَمَّا لَبِسَ لأمته نَدِمُوا . وَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أَعْلَمُ . فَإِنْ شِئْت أَنْ لَا نَخْرُجَ فَلَا نَخْرُجُ . فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597564مَا يَنْبَغِي لِنَبِيِّ إذَا لَبِسَ لَامَّتَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ } يَعْنِي : أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا يَلْزَمُ الْحَجُّ .
لَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ .