فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28848_28786فإن قيل : إذا كانت الطاعات والمعاصي مقدرة ، والنعم والمصائب مقدرة . فلم فرق بين الحسنات ، التي هي النعم ، والسيئات ، التي هي المصائب ؟ فجعل هذه من الله ، وهذه من نفس الإنسان ؟ .
قيل : لفروق بينهما :
[ ص: 260 ] " الفرق الأول " : أن نعم الله وإحسانه إلى عباده يقع ابتداء بلا سبب منهم أصلا . فهو ينعم بالعافية والرزق والنصر ، وغير ذلك على من لم يعمل خيرا قط . وينشئ للجنة خلقا يسكنهم فضول الجنة .
وقد خلقهم في الآخرة لم يعملوا خيرا . ويدخل أطفال المؤمنين ومجانينهم الجنة برحمته بلا عمل . وأما العقاب : فلا يعاقب أحدا إلا بعمله .
" الفرق الثاني " : أن الذي يعمل الحسنات . إذا عملها ، فنفس عمله الحسنات : هو من إحسان الله ، وبفضله عليه بالهداية والإيمان ، كما قال أهل الجنة {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } . وفي الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله .
ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } . فنفس خلق الله لهم أحياء ، وجعله لهم السمع والأبصار والأفئدة : هو من نعمته ونفس إرسال الرسول إليهم ، وتبليغه البلاغ المبين الذي اهتدوا به : هو من نعمته . وإلهامهم الإيمان ، وهدايتهم إليه ، وتخصيصهم بمزيد نعمة حصل
[ ص: 261 ] لهم بها الإيمان دون الكافرين : هو من نعمته . كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فضلا من الله ونعمة } .
فجميع ما يتقلب فيه العالم من خيري الدنيا والآخرة : هو نعمة محضة منه بلا سبب سابق يوجب لهم حقا . ولا حول ولا قوة لهم من أنفسهم إلا به . وهو خالق نفوسهم ، وخالق أعمالها الصالحة ، وخالق الجزاء . فقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله } حق من كل وجه ، ظاهرا وباطنا على مذهب
أهل السنة . وأما " السيئة " فلا تكون إلا بذنب العبد . وذنبه من نفسه . وهو لم يقل : إني لم أقدر ذلك ولم أخلقه . بل ذكر للناس ما ينفعهم .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28848_28786فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَتْ الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مُقَدَّرَةً ، وَالنِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ مُقَدَّرَةً . فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ ، الَّتِي هِيَ النِّعَمُ ، وَالسَّيِّئَاتِ ، الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ ؟ فَجَعَلَ هَذِهِ مِنْ اللَّهِ ، وَهَذِهِ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ ؟ .
قِيلَ : لِفَرُوقِ بَيْنَهُمَا :
[ ص: 260 ] " الْفَرْقُ الْأَوَّلُ " : أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ وَإِحْسَانَهُ إلَى عِبَادِهِ يَقَعُ ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ مِنْهُمْ أَصْلًا . فَهُوَ يُنْعِمُ بِالْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ وَالنَّصْرِ ، وَغَيْرِ ذَلِك عَلَى مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . وَيُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ فُضُولَ الْجَنَّةِ .
وَقَدْ خَلَقَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا . وَيُدْخِلُ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَجَانِينَهُمْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ بِلَا عَمَلٍ . وَأَمَّا الْعِقَابُ : فَلَا يُعَاقِبُ أَحَدًا إلَّا بِعَمَلِهِ .
" الْفَرْقُ الثَّانِي " : أَنَّ الَّذِي يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ . إذَا عَمِلَهَا ، فَنَفْسُ عَمَلِهِ الْحَسَنَاتِ : هو من إحْسَانِ اللَّهِ ، وَبِفَضْلِهِ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِيمَانِ ، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يَا عِبَادِي ، إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا . فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ .
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِك فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } . فَنَفْسُ خَلْقِ اللَّهِ لَهُمْ أَحِيَاءً ، وَجَعْلِهِ لهم السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ : هو من نِعْمَتِهِ وَنَفْسُ إرْسَالِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ ، وَتَبْلِيغِهِ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ الذي اهْتَدَوْا به : هو من نِعْمَتِهِ . وَإِلْهَامُهُمْ الْإِيمَانَ ، وَهِدَايَتُهُمْ إلَيْهِ ، وَتَخْصِيصُهُمْ بِمَزِيدِ نِعْمَةٍ حَصَلَ
[ ص: 261 ] لهم بها الْإِيمَانُ دُونَ الْكَافِرِينَ : هو من نِعْمَتِهِ . كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً } .
فَجَمِيعُ مَا يَتَقَلَّبُ فِيهِ الْعَالَمُ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : هُوَ نِعْمَةٌ مَحْضَةٌ مِنْهُ بِلَا سَبَبٍ سَابِقٍ يُوجِبُ لَهُمْ حَقًّا . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسهمْ إلَّا بِهِ . وَهُوَ خَالِقُ نَفُوسِهِمْ ، وَخَالِقُ أَعْمَالِهَا الصَّالِحَةِ ، وَخَالِقُ الْجَزَاءِ . فَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } حَقٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى مَذْهَبِ
أَهْلِ السُّنَّةِ . وَأَمَّا " السَّيِّئَةُ " فَلَا تَكُونُ إلَّا بِذَنْبِ الْعَبْدِ . وَذَنْبُهُ مِنْ نَفْسِهِ . وَهُوَ لَمْ يَقُلْ : إنِّي لَمْ أُقَدِّرْ ذَلِك وَلَمْ أَخْلُقْهُ . بَلْ ذَكَرَ لِلنَّاسِ مَا يَنْفَعُهُمْ .