الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 59 ] رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين أعقب ذكر نعمة الله عليه بتوجهه إلى مناجاة ربه بالاعتراف بأعظم نعم الدنيا والنعمة العظمى في الآخرة ، فذكر ثلاث نعم : اثنتان دنيويتان وهما : نعمة الولاية على الأرض ونعمة العلم ، والثالثة أخروية وهي نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام .

وجعل الذي أوتيه بعضا من الملك ومن التأويل ; لأن ما أوتيه بعض من جنس الملك وبعض من التأويل إشعارا بأن ذلك في جانب ملك الله وفي جانب علمه شيء قليل . وعلى هذا يكون المراد بالملك التصرف العظيم الشبيه بتصرف الملك إذ كان يوسف عليه السلام هو الذي يسير الملك برأيه . ويجوز أن يراد بالملك حقيقته ويكون التبعيض حقيقيا ، أي آتيتني بعض الملك ; لأن الملك مجموع تصرفات في أمر الرعية ، وكان ليوسف عليه السلام من ذلك الحظ الأوفر ، وكذلك تأويل الأحاديث . وتقدم معنى تأويل الأحاديث

عند قوله تعالى ويعلمك من تأويل الأحاديث في هذه السورة .

و فاطر السماوات والأرض نداء محذوف حرف ندائه . والفاطر : الخالق . وتقدم عند قوله تعالى قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض في سورة الأنعام .

والولي : الناصر ، وتقدم عند قوله تعالى قل أغير الله أتخذ وليا في سورة الأنعام .

وجملة أنت وليي في الدنيا والآخرة من قبيل الخبر في إنشاء الدعاء وإن أمكن حمله على الإخبار بالنسبة لولاية الدنيا ، قيل لإثباته ذلك الشيء لولاية الآخرة . فالمعنى : كن وليي في الدنيا والآخرة .

[ ص: 60 ] وأشار بقوله ( توفني مسلما ) إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق ، فإن طلب توفيه على الدين الحق يقتضي أنه متصف بالدين الحق المعبر عنه بالإسلام من الآن ، فهو يسأل الدوام عليه إلى الوفاة .

والمسلم : الذي اتصف بالإسلام ، وهو الدين الكامل ، وهو ما تعبد الله به الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وقد تقدم عند قوله تعالى فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون في سورة البقرة .

والإلحاق : حقيقته جعل الشيء لاحقا ، أي مدركا من سبقه في السير . وأطلق هنا مجازا على المزيد في عداد قوم .

والصالحون : المتصفون بالصلاح ، وهو التزام الطاعة . وأراد بهم الأنبياء . فإن كان يوسف عليه السلام يومئذ نبيا فدعاؤه لطلب الدوام على ذلك ، وإن كان نبئ فيما بعد فهو دعاء بحصوله ، وقد صار نبيا بعد ورسولا .

التالي السابق


الخدمات العلمية