الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 63 ] وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون عطف على جملة وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ، أي ليس إعراضهم عن آية حصول العلم للأمي بما في الكتب السالفة فحسب بل هم معرضون عن آيات كثيرة في السماوات والأرض .

و ( كأين ) اسم يدل على كثرة العدد المبهم يبينه تمييز مجرور بـ ( من ) ، وقد تقدم عند قوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير في سورة آل عمران .

والآية : العلامة . والمراد هنا الدالة على وحدانية الله تعالى بقرينة ذكر الإشراك بعدها .

ومعنى يمرون عليها يرونها ، والمرور مجاز مكني به عن التحقق والمشاهدة إذ لا يصح حمل المرور على المعنى الحقيقي بالنسبة لآيات السماوات ، فالمرور هنا كالذي في قوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما .

وضمير ( يمرون ) عائد إلى الناس من قوله تعالى وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين .

وجملة وما يؤمن أكثرهم بالله في موضع الحال من ضمير ( يمرون ) أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون . والمراد بـ أكثر الناس أهل الشرك من العرب . وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلهية .

والاستثناء من عموم الأحوال ، فجملة وهم مشركون حال من ( أكثرهم ) ، والمقصود من هذا تشنيع حالهم . والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء [ ص: 64 ] بما يشبه ضده على وجه التهكم . وإسناد هذا الحكم إلى أكثرهم باعتبار أكثر أحوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك . وليس المراد أن بعضا منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلها آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية