nindex.php?page=treesubj&link=28847و " الحسنة " و " السيئة " يفترقان في حظ العبد لكونه ينعم بهذه ويعذب بهذه . والالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس . ومقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق .
[ ص: 355 ] وهذه المسألة وقعت في زمن
الجنيد كما ذكر ذلك في غير موضع . وبين لهم
الجنيد الفرق الثاني . وهو أنهم - مع مشاهدة المشيئة العامة - لا بد لهم من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه وهو الفرق بين ما يحبه وما يبغضه .
وبين لهم
الجنيد كما قال في التوحيد : هو إفراد الحدوث عن القدم . فمن سلك مسلك
الجنيد من أهل التصوف والمعرفة كان قد اهتدى ونجا وسعد . ومن لم يسلك في القدر مسلكه بل سوى بين الجميع : لزمه أن لا يفرق بين الحسنات والسيئات وبين الأنبياء والفساق . فلا يقول : إن الله يحب هؤلاء وهذه الأعمال . ولا يبغض هؤلاء وهذه الأعمال . بل جميع الحوادث : هو يحبها كما يريدها كما قاله
الأشعري . وإنما الفرق : أن هؤلاء ينعمون . وهؤلاء يعذبون .
والأشعري لما أثبت الفرق بين هذا وهذا - بالنسبة إلى المخلوق - كان أعقل منهم . فإن هؤلاء يدعون : أن العارف الواصل إلى مقام الفناء لا يفرق بين هذا وهذا .
[ ص: 356 ]
وهم غلطوا في حق العبد وحق الرب . أما في حق العبد : فيلزمهم أن تستوي عنده جميع الحوادث . وهذا محال قطعا . وهم قد تمر عليهم أحوال يفنون فيها عن أكثر الأشياء . أما الفناء عن جميعها : فممتنع . فإنه لا بد أن يفرق كل حي بين ما يؤلمه وبين ما يلذه . فيفرق بين الخبز والتراب والماء والشراب . فهؤلاء : عزلوا الفرق الشرعي الإيماني الرحماني الذي به فرق الله بين أوليائه وأعدائه .
وظنوا أنهم مع الجمع القدري . وعلى هذا : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29426تسوية العبد بين جميع الحوادث ممتنع لذاته بل لا بد للعبد من أن يفرق . فإن لم يفرق بالفرق الشرعي - فيفرق بين محبوب الحق ومكروهه وبين ما يرضاه وما يسخطه - وإلا فرق بالفرق الطبعي بهواه وشيطانه . فيحب ما تهواه نفسه وما يأمر به شيطانه . ومن هنا : وقع منهم خلق كثير في المعاصي . وآخرون في الفسوق . وآخرون في الكفر . حتى جوزوا عبادة الأصنام . ثم كثير منهم من ينتقل إلى وحدة الوجود . وهم الذين خالفوا
[ ص: 357 ] الجنيد وأئمة الدين في التوحيد . فلم يفرقوا بين القديم والمحدث . وهؤلاء صرحوا بعبادة كل موجود . كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع . وهو قول
أهل الوحدة كابن عربي الحاتمي وابن سبعين والقونوي والتلمساني والبلياني nindex.php?page=showalam&ids=12831وابن الفارض وأمثالهم . والمقصود هنا : الكلام على من نفى الحكم والعدل والأسباب في القدر بين
أهل الكلام والمتصوفة الذين وافقوا
جهما في هذا الأصل . وهو بدعته الثانية التي اشتهرت عنه بخلاف الإرجاء . فإنه منسوب إلى طوائف غيره .
فهؤلاء يقولون : إن الرب يجوز أن يفعل كل ما يقدر عليه ويمكن فعله من غير مراعاة حكمة ولا رحمة ولا عدل . ويقولون : إن مشيئته هي محبته . ولهذا تجد من اتبعهم : غير معظم للأمر والنهي والوعد والوعيد بل هو منحل عن الأمر الشرعي كله أو عن بعضه أو متكلف لما يعتقده أو يعلمه . فإنهم أرادوا : أن الجميع بالنسبة إلى الرب سواء وأن كل ما شاءه فقد أحبه . وأنه يحدث ما يحدثه بدون أسباب يخلقه بها ولا حكمة يسوقه إليها بل غايته : أنه يسوق المقادير إلى المواقيت .
[ ص: 358 ] لم يبق عندهم فرق في نفس الأمر بين المأمور والمحظور . بل وافقوا
جهما ومن قال بقوله -
كالأشعري - في أنه في نفس الأمر : لا حسن ولا سيئ . وإنما الحسن والقبح : مجرد كونه مأمورا به ومحظورا .
وذلك فرق يعود إلى حظ العبد . وهؤلاء يدعون الفناء عن الحظوظ . فتارة : يقولون في امتثال الأمر والنهي : إنه من مقام التلبيس أو ما يشبه هذا . كما يوجد في كلام
أبي إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين . وتارة يقولون : يفعل هذا لأهل المارستان أي العامة .
كما يقوله
الشيخ المغربي إلى أنواع ليس هذا موضع بسطها . ومن يسلك مسلكهم : غايته - إذا عظم الأمر والنهي - أن يقول كما نقل عن
الشاذلي : يكون الجمع في قلبك مشهودا . والفرق على لسانك موجودا . ولهذا يوجد في كلامه وكلام غيره : أقوال وأدعية وأحزاب تستلزم تعطيل الأمر والنهي . مثل أن يدعو : أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم مما يعطيه إذا أطاعه ونحو هذا مما يوجب أنه يجوز عنده : أن يجعل
[ ص: 359 ] الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات بل أفضل منهم .
ويدعون بأدعية فيها اعتداء كما يوجد في جواب
الشاذلي . وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع . وآخرون من عوام هؤلاء يجوزون : أن يكرم الله بكرامات أكابر الأولياء من يكون فاجرا بل كافرا . ويقولون : هذه موهبة وعطية يعطيها الله من يشاء . ما هي متعلقة لا بصلاة ولا بصيام . ويظنون أن تلك من كرامات الأولياء .
وتكون كراماتهم : من الأحوال الشيطانية التي يكون مثلها للسحرة والكهان . قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه } . والمسلمون الذين جاءهم كتاب الله القرآن : عدل كثير منهم - ممن أضله الشيطان من المنتسبين إلى الإسلام - إلى أن نبذ كتاب الله
[ ص: 360 ] وراء ظهره واتبع ما تتلوه الشياطين . فلا يعظم أمر القرآن ولا نهيه .
ولا يوالي من أمر القرآن بموالاته . ولا يعادي من أمر القرآن بمعاداته . بل يعظم من رآه يأتي ببعض خوارقهم التي يأتي بمثلها السحرة والكهان . بإعانة الشياطين . وهي تحصل بما تتلوه الشياطين . ثم منهم من يعرف : أن هذا من الشيطان . ولكن يعظم ذلك لهواه ويفضله على طريق القرآن ليصل به إلى تقديس العامة . وهؤلاء كفار . كالذين قال الله تعالى فيهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا }
. وهؤلاء ضاهوا الكفار الذين قال الله تعالى فيهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } الآية . ومنهم : من لا يعرف أن هذا من الشياطين . وقد يقع في مثل هذا طوائف من أهل الكلام والعلم وأهل
[ ص: 361 ] العبادة والتصوف . حتى جوزوا عبادة الكواكب والأصنام . لما رأوه فيها من الأحوال العجيبة . التي تعينهم عليها الشياطين . لما يحصل لهم بها من بعض أغراضهم من الظلم والفواحش فلا يبالون بشركهم بالله ولا كفرهم به وبكتابه إذا نالوا ذلك ولم يبالوا بتعليم ذلك للناس . وتعظيمهم لهم . لرياسة ينالونها أو مال ينالونه . وإن كانوا قد علموا أنه الكفر والشرك : عملوه ودعوا إليه .
بل حصل عندهم ريب وشك فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . أو اعتقاد أن الرسول خاطب الجمهور بما لا حقيقة له في الباطن . لأجل مصلحة الجمهور . كما يقول ذلك من يقوله من
المتفلسفة والملاحدة والباطنية . وقد دخل في رأي هؤلاء طائفة من هؤلاء وهؤلاء .
وهذا مما ضاهوا به
فارس والروم وغيرهم . فإن
فارس كانت تعظم الأنوار وتسجد للشمس وللنار .
والروم كانوا - قبل النصرانية - مشركين يعبدون الكواكب والأصنام فهؤلاء الذين أشبهوا
فارس والروم : شر من الذين أشبهوا
اليهود والنصارى . فإن أولئك ضاهوا
أهل الكتاب فيما بدل أو نسخ .
وهؤلاء ضاهوا من لا كتاب له من
المجوس والمشركين
فارس والروم ومن دخل في ذلك من
الهند واليونان . ومذهب
الملاحدة الباطنية : مأخوذ من قول
المجوس بالأصلين
[ ص: 362 ] ومن قول
فلاسفة اليونان بالعقول والنفوس . وأصل قول
المجوس : يرجع إلى أن تكون الظلمة المضاهية للنور : هي إبليس وقول
الفلاسفة بالنفس .
nindex.php?page=treesubj&link=28798فأصل الشر : عبادة النفس والشيطان وجعلهما شريكان للرب وأن يعدلا به .
ونفس الإنسان تفعل الشر بأمر الشيطان . وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597588علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يقول - إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه - اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة . أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون .
اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك . إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم } . وهذا من تمام تحقيق قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } مع قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } وقد ظهرت دعوى النفس الإلهية في
فرعون ونحوه ممن ادعى أنه إله مع الله أو من دونه وظهرت فيمن ادعى إلهية بشر مع الله
كالمسيح وغيره .
[ ص: 363 ] nindex.php?page=treesubj&link=29433_28808_29553_28695وأصل الشرك في بني آدم : كان من الشرك بالبشر الصالحين المعظمين . فإنهم لما ماتوا : عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم . فهذا أول شرك كان في بني آدم . وكان في قوم
نوح . فإنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض . يدعوهم إلى التوحيد . وينهاهم عن الشرك . كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=24وقد أضلوا كثيرا } وهذه أسماء قوم صالحين كانوا في
قوم نوح .
فلما ماتوا جعلوا الأصنام على صورهم ثم ذهبت هذه الأصنام لما أغرق الله أهل الأرض ثم صارت إلى
العرب . كما ذكر ذلك
ابن عباس وغيره . إن لم تكن أعيانها وإلا فهي نظائرها . وأما الشرك بالشيطان : فهذا كثير . فمتى لم يؤمن الخلق بأنه " لا إله إلا الله " بمعنى : أنه المعبود المستحق للعبادة دون ما سواه .
وأنه يحب أن يعبد وأنه أمر أن يعبد وأنه لا يعبد إلا بما أحبه مما شرع من واجب ومستحب - فلا بد أن يقعوا في الشرك وغيره . فالذين جعلوا الأقوال والأفعال كلها بالنسبة إلى الله سواء . لا يحب
[ ص: 364 ] شيئا دون شيء : فلا فرق عنده بين من يعبده وحده لا يشرك به شيئا . وبين من يعبد معه آلهة أخرى . وجعلوا الأمر معلقا بمشيئة .
ليس معها حكمة ولا رحمة ولا عدل . ولا فرق فيها بين الحسنات والسيئات : طمعت النفس في نيل ما تريده بدون طاعة الله ورسوله . ثم إذا جوزوا الكرامات لكل من زعم الصلاح ولم يقيدوا الصلاح بالعلم الصحيح والإيمان الصادق والتقوى بل جعلوا علامة الصلاح هذه الخوارق . وجوزوا الخوارق مطلقا . وحكوا في ذلك مكاشفات وقالوا أقوالا منكرة .
فقال بعضهم : إن الولي يعطى قول " كن " وقال بعضهم : إنه لا يمتنع على الولي فعل ممكن . كما لا يمتنع على الله تعالى فعل محال . وهذا قاله
ابن عربي والذين اتبعوه . قالوا : إن الممتنع لذاته مقدور عليه ليس عندهم ما يقال : إنه غير مقدور عليه للولي حتى ولا الجمع بين الضدين ولا غير ذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=28808وزاد ابن عربي : أن الولي لا يعزب عن قدرته شيء من الممكنات .
والذي لا يعزب عن قدرته شيء من الممكنات : هو الله وحده . فهذا تصريح منهم : بأن الولي مثل الله إن لم يكن هو الله .
[ ص: 365 ] وصرح بعضهم : بأنه يعلم كل ما يعلمه الله . ويقدر على كل ما يقدر الله عليه . وادعوا أن هذا كان للنبي ثم انتقل إلى
الحسن بن علي ثم من
الحسن إلى ذريته واحدا بعد واحد . حتى انتهى ذلك إلى
أبي الحسن الشاذلي ثم إلى ابنه .
خاطبني بذلك : من هو من أكابر أصحابهم . وحدثني الثقة من أعيانهم أنهم يقولون : إن
محمدا هو الله . وحدثني بعض الشيوخ الذين لهم سلوك وخبرة : أنه كان هو
وابن هود في
مكة فدخلا
الكعبة . فقال له
ابن هود - وأشار إلى
وسط الكعبة - هذا مهبط النور الأول . وقال له : لو قال لك صاحب هذا
البيت : أريد أن أجعلك إلها ماذا كنت تقول له ؟ قال : وقف شعري من هذا الكلام وانخنست - أو كما قال .
ومن الناس من يحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله : أنه لما دخل
الزنج البصرة . قيل له في ذلك . فقال : هاه إن ببلدكم هذا من لو سألوا الله أن يزيل الجبال عن أماكنها لأزالها . ولو سألوه :
[ ص: 366 ] أن لا يقيم القيامة لما أقامها . لكنهم يعلمون مواضع رضاه فلا يسألونه إلا ما يحب . وهذه الحكاية : إما كذب على
سهل - وهو الذي نختار أن يكون حقا - أو تكون غلطا منه .
فلا حول ولا قوة إلا بالله . وذلك : أن ما أخبر الله أن يكون فلا بد أن يكون . ولو سأله أهل السموات والأرض أن لا يكون : لم يجبهم مثل إقامة القيامة وأن لا يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين وغير ذلك . بل كل ما علم الله أنه يكون فلا يقبل الله دعاء أحد في أن لا يكون . لكن الدعاء سبب يقضي الله به ما علم الله : أنه سيكون بهذا السبب كما يقضي بسائر الأسباب ما علم : أنه سيكون بها .
وقد سأل الله تعالى - من هو أفضل من كل من في
البصرة بكثير - ما هو دون هذا فلم يجابوا . لما سبق الحكم بخلاف ذلك كما سأله
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يغفر لأبيه . وكما سأله
نوح عليه السلام سأله نجاة ابنه . فقيل له {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم } .
وأفضل الخلق
محمد صلى الله عليه وسلم قيل له في شأن عمه
[ ص: 367 ] أبي طالب {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } وقيل له في المنافقين {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } وقد قال تعالى عموما {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } فمن هذا الذي لو سأل الله ما يشاؤه هو أعطاه إياه . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597589وسيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . أخبر أنه يسجد تحت العرش ويحمد ربه ويثني عليه . فيقال له : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع . وسل تعط . واشفع تشفع . قال : فيحد لي حدا . فأدخلهم الجنة } وقد قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } . وأي اعتداء أعظم وأشنع من أن يسأل العبد ربه : أن لا يفعل ما قد أخبر أنه لا بد أن يفعله أو أن يفعل ما قد أخبر أنه لا يفعله .
وهو سبحانه كما أخبر عن نفسه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70329ما من [ ص: 368 ] داع يدعو الله بدعوة ليس فيها ظلم ولا قطيعة رحم : إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث : إما أن يعجل له دعوته . وإما أن يدخر له من الخير مثلها . وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها } . فالدعوة التي ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب أو مثله . وهذا غاية الإجابة . فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعا . أو مفسدا للداعي أو لغيره . والداعي جاهل لا يعلم ما فيه المفسدة عليه .
والرب قريب مجيب . وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها . والكريم الرحيم إذا سئل شيئا بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه : أعطاه نظيره كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له . فإنه يعطيه من ماله نظيره . ولله المثل الأعلى . وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم - لما طلبت منه طائفة من بني عمه أن يوليهم ولاية لا تصلح لهم - فأعطاهم من الخمس ما أغناهم عن ذلك وزوجهم كما فعل
بالفضل بن عباس وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . وقد روي في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597590ليس شيء أكرم على الله من الدعاء } وهذا حق .
nindex.php?page=treesubj&link=28847و " الْحَسَنَةُ " و " السَّيِّئَةُ " يَفْتَرِقَانِ فِي حَظِّ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ يُنَعَّمُ بِهَذِهِ وَيُعَذَّبُ بِهَذِهِ . وَالِالْتِفَاتُ إلَى هَذَا هُوَ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ . وَمَقَامِ الْفَنَاءِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُشَاهَدَةُ مُرَادِ الْحَقِّ .
[ ص: 355 ] وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ
الجنيد كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . وَبَيَّنَ لَهُمْ
الجنيد الْفَرْقَ الثَّانِيَ . وَهُوَ أَنَّهُمْ - مَعَ مُشَاهَدَةِ الْمَشِيئَةِ الْعَامَّةِ - لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ وَمَا يَنْهَى عَنْهُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ .
وَبَيَّنَ لَهُمْ
الجنيد كَمَا قَالَ فِي التَّوْحِيدِ : هُوَ إفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنْ الْقِدَمِ . فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَ
الجنيد مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمَعْرِفَةِ كَانَ قَدْ اهْتَدَى وَنَجَا وَسَعِدَ . وَمَنْ لَمْ يَسْلُكْ فِي الْقَدَرِ مَسْلَكَهُ بَلْ سَوَّى بَيْنِ الْجَمِيعِ : لَزِمَهُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْفُسَّاقِ . فَلَا يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالَ . وَلَا يُبْغِضُ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالَ . بَلْ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ : هُوَ يُحِبُّهَا كَمَا يُرِيدُهَا كَمَا قَالَهُ
الْأَشْعَرِيُّ . وَإِنَّمَا الْفَرْقُ : أَنَّ هَؤُلَاءِ يُنَعَّمُونَ . وَهَؤُلَاءِ يُعَذَّبُونَ .
وَالْأَشْعَرِيُّ لَمَّا أَثْبَتَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا - بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِ - كَانَ أَعْقَلَ مِنْهُمْ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ : أَنَّ الْعَارِفَ الْوَاصِلَ إلَى مَقَامِ الْفَنَاءِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا .
[ ص: 356 ]
وَهُمْ غَلِطُوا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الرَّبِّ . أَمَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ : فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَسْتَوِيَ عِنْدَهُ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ . وَهَذَا مُحَالٌ قَطْعًا . وَهُمْ قَدْ تَمُرُّ عَلَيْهِمْ أَحْوَالٌ يَفْنَوْنَ فِيهَا عَنْ أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ . أَمَّا الْفَنَاءُ عَنْ جَمِيعِهَا : فَمُمْتَنِعٌ . فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقَ كُلُّ حَيٍّ بَيْنَ مَا يُؤْلِمُهُ وَبَيْنَ مَا يُلِذُّهُ . فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالتُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ . فَهَؤُلَاءِ : عَزَلُوا الْفَرْقَ الشَّرْعِيَّ الْإِيمَانِيَّ الرَّحْمَانِيَّ الَّذِي بِهِ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ .
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَعَ الْجَمْعِ الْقَدَرِيِّ . وَعَلَى هَذَا : فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29426تَسْوِيَةَ الْعَبْدِ بَيْنَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ بَلْ لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ يُفَرِّقَ . فَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بِالْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ - فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَحْبُوبِ الْحَقِّ وَمَكْرُوهِهِ وَبَيْنَ مَا يَرْضَاهُ وَمَا يَسْخَطُهُ - وَإِلَّا فَرَّقَ بِالْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ بِهَوَاهُ وَشَيْطَانِهِ . فَيُحِبُّ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ وَمَا يَأْمُرُ بِهِ شَيْطَانُهُ . وَمِنْ هُنَا : وَقَعَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي الْمَعَاصِي . وَآخَرُونَ فِي الْفُسُوقِ . وَآخَرُونَ فِي الْكُفْرِ . حَتَّى جَوَّزُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ . ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَى وَحْدَةِ الْوُجُودِ . وَهُمْ الَّذِينَ خَالَفُوا
[ ص: 357 ] الجنيد وَأَئِمَّةَ الدِّينِ فِي التَّوْحِيدِ . فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ . وَهَؤُلَاءِ صَرَّحُوا بِعِبَادَةِ كُلِّ مَوْجُودٍ . كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهُوَ قَوْلُ
أَهْلِ الْوَحْدَةِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ الْحَاتِمِيِّ وَابْنِ سَبْعِينَ والقونوي وَالتِّلْمِسَانِيّ والبلياني nindex.php?page=showalam&ids=12831وَابْنِ الْفَارِضِ وَأَمْثَالِهِمْ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : الْكَلَامُ عَلَى مَنْ نَفَى الْحُكْمَ وَالْعَدْلَ وَالْأَسْبَابَ فِي الْقَدَرِ بَيْنَ
أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ الَّذِينَ وَافَقُوا
جَهْمًا فِي هَذَا الْأَصْلِ . وَهُوَ بِدْعَتُهُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِرْجَاءِ . فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى طَوَائِفَ غَيْرِهِ .
فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إنَّ الرَّبَّ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ حِكْمَةٍ وَلَا رَحْمَةٍ وَلَا عَدْلٍ . وَيَقُولُونَ : إنَّ مَشِيئَتَهُ هِيَ مَحَبَّتُهُ . وَلِهَذَا تَجِدُ مَنْ اتَّبَعَهُمْ : غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بَلْ هُوَ مُنْحَلٌّ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ كُلِّهِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ أَوْ مُتَكَلِّفٌ لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَوْ يَعْلَمُهُ . فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا : أَنَّ الْجَمِيعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبِّ سَوَاءٌ وَأَنَّ كُلَّ مَا شَاءَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ . وَأَنَّهُ يُحْدِثُ مَا يُحْدِثُهُ بِدُونِ أَسْبَابٍ يَخْلُقُهُ بِهَا وَلَا حِكْمَةٍ يَسُوقُهُ إلَيْهَا بَلْ غَايَتُهُ : أَنَّهُ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ .
[ ص: 358 ] لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ فَرْقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ . بَلْ وَافَقُوا
جَهْمًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ -
كَالْأَشْعَرِيِّ - فِي أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ : لَا حَسَنٌ وَلَا سَيِّئٌ . وَإِنَّمَا الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ : مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ وَمَحْظُورًا .
وَذَلِكَ فَرْقٌ يَعُود إلَى حَظِّ الْعَبْدِ . وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ الْفَنَاءَ عَنْ الْحُظُوظِ . فَتَارَةً : يَقُولُونَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ : إنَّهُ مِنْ مَقَامِ التَّلْبِيسِ أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا . كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ
أَبِي إسْمَاعِيلَ الهروي صَاحِبِ مَنَازِل السَّائِرِينَ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : يَفْعَلُ هَذَا لِأَهْلِ الْمَارَسْتَان أَيْ الْعَامَّةِ .
كَمَا يَقُولُهُ
الشَّيْخُ الْمَغْرِبِيُّ إلَى أَنْوَاعٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا . وَمَنْ يَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ : غَايَتُهُ - إذَا عَظُمَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ - أَنْ يَقُولَ كَمَا نُقِلَ عَنْ
الشاذلي : يَكُونُ الْجَمْعُ فِي قَلْبِك مَشْهُودًا . وَالْفَرْقُ عَلَى لِسَانِك مَوْجُودًا . وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ : أَقْوَالٌ وَأَدْعِيَةٌ وَأَحْزَابٌ تَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . مِثْلُ أَنْ يَدْعُوَ : أَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ إذَا عَصَاهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُعْطِيهِ إذَا أَطَاعَهُ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُوجِبُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ : أَنْ يَجْعَلَ
[ ص: 359 ] الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بَلْ أَفْضَلُ مِنْهُمْ .
وَيَدْعُونَ بِأَدْعِيَةِ فِيهَا اعْتِدَاءٌ كَمَا يُوجَدُ فِي جَوَابِ
الشاذلي . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَآخَرُونَ مِنْ عَوَامِّ هَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ : أَنْ يُكَرِّمَ اللَّهُ بِكَرَامَاتِ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَكُونُ فَاجِرًا بَلْ كَافِرًا . وَيَقُولُونَ : هَذِهِ مَوْهِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ يُعْطِيهَا اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ . مَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ لَا بِصَلَاةِ وَلَا بِصِيَامِ . وَيَظُنُّونَ أَنَّ تِلْكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ .
وَتَكُونُ كَرَامَاتُهُمْ : مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ مِثْلُهَا لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ } . وَالْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ جَاءَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ الْقُرْآنُ : عَدَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - مِمَّنْ أَضَلَّهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ - إلَى أَنْ نَبَذَ كِتَابَ اللَّهِ
[ ص: 360 ] وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَاتَّبَعَ مَا تَتْلُوهُ الشَّيَاطِينُ . فَلَا يُعَظِّمُ أَمْرَ الْقُرْآنِ وَلَا نَهْيَهُ .
وَلَا يُوَالِي مَنْ أَمَرَ الْقُرْآنُ بِمُوَالَاتِهِ . وَلَا يُعَادِي مَنْ أَمَرَ الْقُرْآنُ بِمُعَادَاتِهِ . بَلْ يُعَظِّمُ مَنْ رَآهُ يَأْتِي بِبَعْضِ خَوَارِقِهِمْ الَّتِي يَأْتِي بِمِثْلِهَا السَّحَرَةُ وَالْكُهَّانُ . بِإِعَانَةِ الشَّيَاطِينِ . وَهِيَ تَحْصُلُ بِمَا تَتْلُوهُ الشَّيَاطِينُ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُ : أَنَّ هَذَا مِنْ الشَّيْطَانِ . وَلَكِنْ يُعَظِّمُ ذَلِكَ لِهَوَاهُ وَيُفَضِّلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْقُرْآنِ لِيَصِلَ بِهِ إلَى تَقْدِيسِ الْعَامَّةِ . وَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ . كَاَلَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا }
. وَهَؤُلَاءِ ضَاهُوا الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } الْآيَةَ . وَمِنْهُمْ : مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا مِنْ الشَّيَاطِينِ . وَقَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَأَهْلِ
[ ص: 361 ] الْعِبَادَةِ وَالتَّصَوُّفِ . حَتَّى جَوَّزُوا عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ . لِمَا رَأَوْهُ فِيهَا مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَجِيبَةِ . الَّتِي تُعِينُهُمْ عَلَيْهَا الشَّيَاطِينُ . لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ بَعْضِ أَغْرَاضِهِمْ مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ فَلَا يُبَالُونَ بِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ وَلَا كُفْرِهِمْ بِهِ وَبِكِتَابِهِ إذَا نَالُوا ذَلِكَ وَلَمْ يُبَالُوا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ . وَتَعْظِيمِهِمْ لَهُمْ . لِرِيَاسَةِ يَنَالُونَهَا أَوْ مَالٍ يَنَالُونَهُ . وَإِنْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ : عَمِلُوهُ وَدَعَوْا إلَيْهِ .
بَلْ حَصَلَ عِنْدَهُمْ رَيْبٌ وَشَكٌّ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَوْ اعْتِقَادٌ أَنَّ الرَّسُولَ خَاطَبَ الْجُمْهُورَ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ . لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ . كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ
الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي رَأْيِ هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ .
وَهَذَا مِمَّا ضَاهُوا بِهِ
فَارِسَ وَالرُّومَ وَغَيْرَهُمْ . فَإِنَّ
فَارِسَ كَانَتْ تُعَظِّمُ الْأَنْوَارَ وَتَسْجُدُ لِلشَّمْسِ وَلِلنَّارِ .
وَالرُّومَ كَانُوا - قَبْلَ النَّصْرَانِيَّةِ - مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَشْبَهُوا
فَارِسَ وَالرُّومَ : شَرٌّ مِنْ الَّذِينَ أَشْبَهُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى . فَإِنَّ أُولَئِكَ ضَاهَوْا
أَهْلَ الْكِتَابِ فِيمَا بُدِّلَ أَوْ نُسِخَ .
وَهَؤُلَاءِ ضَاهَوْا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنْ
الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ
فَارِسَ وَالرُّومَ وَمَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ
الْهِنْدِ وَالْيُونَانِ . وَمَذْهَبُ
الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ : مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ
الْمَجُوسِ بِالْأَصْلَيْنِ
[ ص: 362 ] وَمِنْ قَوْلِ
فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ بِالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ . وَأَصْلُ قَوْلِ
الْمَجُوسِ : يَرْجِعُ إلَى أَنْ تَكُونَ الظُّلْمَةُ الْمُضَاهِيَةُ لِلنُّورِ : هِيَ إبْلِيسُ وَقَوْلِ
الْفَلَاسِفَةِ بِالنَّفْسِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28798فَأَصْلُ الشَّرِّ : عِبَادَةُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَجَعْلُهُمَا شَرِيكَانِ لِلرَّبِّ وَأَنْ يَعْدِلَا بِهِ .
وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ تَفْعَلُ الشَّرَّ بِأَمْرِ الشَّيْطَانِ . وَقَدْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597588عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ - إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ - اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ . أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ .
اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك . إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } مَعَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وَقَدْ ظَهَرَتْ دَعْوَى النَّفْسِ الْإِلَهِيَّةِ فِي
فِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ مَعَ اللَّهِ أَوْ مِنْ دُونِهِ وَظَهَرَتْ فِيمَنْ ادَّعَى إلَهِيَّةَ بَشَرٍ مَعَ اللَّهِ
كَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ .
[ ص: 363 ] nindex.php?page=treesubj&link=29433_28808_29553_28695وَأَصْلُ الشِّرْكِ فِي بَنِي آدَمَ : كَانَ مِنْ الشِّرْكِ بِالْبَشَرِ الصَّالِحِينَ الْمُعَظَّمِينَ . فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا : عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ . فَهَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ كَانَ فِي بَنِي آدَمَ . وَكَانَ فِي قَوْمِ
نُوحٍ . فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ . يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ . وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=24وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا } وَهَذِهِ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ كَانُوا فِي
قَوْمِ نُوحٍ .
فَلَمَّا مَاتُوا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهِمْ ثُمَّ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ صَارَتْ إلَى
الْعَرَبِ . كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ . إنْ لَمْ تَكُنْ أَعْيَانُهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَظَائِرُهَا . وَأَمَّا الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ : فَهَذَا كَثِيرٌ . فَمَتَى لَمْ يُؤْمِنْ الْخَلْقُ بِأَنَّهُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " بِمَعْنَى : أَنَّهُ الْمَعْبُودُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ .
وَأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ إلَّا بِمَا أَحَبَّهُ مِمَّا شَرَعَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعُوا فِي الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ . فَاَلَّذِينَ جَعَلُوا الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ سَوَاءٌ . لَا يُحِبُّ
[ ص: 364 ] شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ : فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . وَبَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى . وَجَعَلُوا الْأَمْرَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ .
لَيْسَ مَعَهَا حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا عَدْلٌ . وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ : طَمِعَتْ النَّفْسُ فِي نَيْلِ مَا تُرِيدُهُ بِدُونِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . ثُمَّ إذَا جَوَّزُوا الْكَرَامَاتِ لِكُلِّ مَنْ زَعَمَ الصَّلَاحَ وَلَمْ يُقَيِّدُوا الصَّلَاحَ بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالتَّقْوَى بَلْ جَعَلُوا عَلَامَةَ الصَّلَاحِ هَذِهِ الْخَوَارِقَ . وَجَوَّزُوا الْخَوَارِقَ مُطْلَقًا . وَحَكَوْا فِي ذَلِكَ مُكَاشَفَاتٍ وَقَالُوا أَقْوَالًا مُنْكَرَةً .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ الْوَلِيَّ يُعْطَى قَوْلَ " كُنْ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَلِيِّ فِعْلُ مُمْكِنٍ . كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِعْلُ مُحَالٍ . وَهَذَا قَالَهُ
ابْنُ عَرَبِيٍّ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ . قَالُوا : إنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يُقَالُ : إنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ لِلْوَلِيِّ حَتَّى وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28808وَزَادَ ابْنُ عَرَبِيٍّ : أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَعْزُبُ عَنْ قُدْرَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ .
وَاَلَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ قُدْرَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ : هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ . فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ : بِأَنَّ الْوَلِيَّ مِثْلُ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ اللَّهُ .
[ ص: 365 ] وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ : بِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ . وَيَقْدِرُ عَلَى كُلِّ مَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ مِنْ
الْحَسَنِ إلَى ذُرِّيَّتِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ . حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ إلَى
أَبِي الْحَسَنِ الشاذلي ثُمَّ إلَى ابْنِهِ .
خَاطَبَنِي بِذَلِكَ : مَنْ هُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِهِمْ . وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَعْيَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ
مُحَمَّدًا هُوَ اللَّهُ . وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَهُمْ سُلُوكٌ وَخِبْرَةٌ : أَنَّهُ كَانَ هُوَ
وَابْنُ هُودٍ فِي
مَكَّةَ فَدَخَلَا
الْكَعْبَةَ . فَقَالَ لَهُ
ابْنُ هُودٍ - وَأَشَارَ إلَى
وَسَطِ الْكَعْبَةِ - هَذَا مَهْبِطُ النُّورِ الْأَوَّلِ . وَقَالَ لَهُ : لَوْ قَالَ لَك صَاحِبُ هَذَا
الْبَيْتِ : أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَك إلَهًا مَاذَا كُنْت تَقُولُ لَهُ ؟ قَالَ : وَقَفَ شَعَرِي مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَانْخَنَسْت - أَوْ كَمَا قَالَ .
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْكِي عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ
الزِّنْجُ الْبَصْرَةَ . قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ : هاه إنَّ بِبَلَدِكُمْ هَذَا مَنْ لَوْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ الْجِبَالَ عَنْ أَمَاكِنِهَا لَأَزَالَهَا . وَلَوْ سَأَلُوهُ :
[ ص: 366 ] أَنْ لَا يُقِيمَ الْقِيَامَةَ لَمَا أَقَامَهَا . لَكِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَوَاضِعَ رِضَاهُ فَلَا يَسْأَلُونَهُ إلَّا مَا يُحِبُّ . وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ : إمَّا كَذِبٌ عَلَى
سَهْلٍ - وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا - أَوْ تَكُونَ غَلَطًا مِنْهُ .
فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . وَذَلِكَ : أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ . وَلَوْ سَأَلَهُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْ لَا يَكُونَ : لَمْ يُجِبْهُمْ مِثْلُ إقَامَةِ الْقِيَامَةِ وَأَنْ لَا يَمْلَأَ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ . بَلْ كُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءَ أَحَدٍ فِي أَنْ لَا يَكُونَ . لَكِنَّ الدُّعَاءَ سَبَبٌ يَقْضِي اللَّهُ بِهِ مَا عَلِمَ اللَّهُ : أَنَّهُ سَيَكُونُ بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا يَقْضِي بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ مَا عَلِمَ : أَنَّهُ سَيَكُونُ بِهَا .
وَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى - مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ فِي
الْبَصْرَةِ بِكَثِيرِ - مَا هُوَ دُونَ هَذَا فَلَمْ يُجَابُوا . لِمَا سَبَقَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا سَأَلَهُ
إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَغْفِرَ لِأَبِيهِ . وَكَمَا سَأَلَهُ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهُ نَجَاةَ ابْنِهِ . فَقِيلَ لَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } .
وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ فِي شَأْنِ عَمِّهِ
[ ص: 367 ] أَبِي طَالِبٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } وَقِيلَ لَهُ فِي الْمُنَافِقِينَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عُمُومًا {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فَمَنْ هَذَا الَّذِي لَوْ سَأَلَ اللَّهَ مَا يَشَاؤُهُ هُوَ أعطاه إيَّاهُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597589وَسَيِّدُ الشُّفَعَاءِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَيَحْمَدُ رَبَّهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ . فَيُقَالُ لَهُ : أَيْ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ . وَسَلْ تُعْطَ . وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . قَالَ : فَيَحُدُّ لِي حَدًّا . فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . وَأَيُّ اعْتِدَاءٍ أَعْظَمُ وَأَشْنَعُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ الْعَبْدُ رَبَّهُ : أَنْ لَا يَفْعَلُ مَا قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70329مَا مِنْ [ ص: 368 ] دَاعٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةِ لَيْسَ فِيهَا ظُلْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ : إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ : إمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ . وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَهَا . وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ الشَّرِّ مِثْلَهَا } . فَالدَّعْوَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا اعْتِدَاءٌ يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ أَوْ مِثْلُهُ . وَهَذَا غَايَةُ الْإِجَابَةِ . فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ بِعَيْنِهِ قَدْ يَكُونُ مُمْتَنِعًا . أَوْ مُفْسِدًا لِلدَّاعِي أَوْ لِغَيْرِهِ . وَالدَّاعِي جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ الْمَفْسَدَةُ عَلَيْهِ .
وَالرَّبُّ قَرِيبٌ مُجِيبٌ . وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا . وَالْكَرِيمُ الرَّحِيمُ إذَا سُئِلَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْعَبْدِ إعْطَاؤُهُ : أَعْطَاهُ نَظِيرَهُ كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ . فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْ مَالِهِ نَظِيرَهُ . وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى . وَكَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَلَبَتْ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَنْ يُوَلِّيَهُمْ وِلَايَةً لَا تَصْلُحُ لَهُمْ - فَأَعْطَاهُمْ مِنْ الْخُمُسِ مَا أَغْنَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَزَوَّجَهُمْ كَمَا فَعَلَ
بِالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597590لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ } وَهَذَا حَقٌّ .