الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          والسنة في التيمم أن ينوي ويسمي ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع على التراب ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه ، وكفيه براحتيه ، وقال القاضي : المسنون ضربتان ، يمسح بإحداهما وجهه ، وبالأخرى يديه إلى المرفقين فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى ، ويمرها إلى مرفقه ، ويدير بطن كفه إلى بطن الذراع ، ويمرها عليه ، ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ، ويمسح اليسرى باليمنى كذلك ، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى ، ويخلل الأصابع . ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه ، ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة ، ولا الجنازة ، وعنه : يجوز للجنازة وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ، فبذل ما يكفي أحدهم لأولاهم به ، فهو للميت . وعنه : أنه للحي . وأيهما يقدم فيه وجهان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( والسنة في التيمم أن ينوي ) استباحة ما تيمم له ( ويسمي ) وكذا في " الوجيز " وعبر في " المحرر " و " الفروع " بـ " ثم " ، وهو أولى ( ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع ) ليدخل الغبار بينهما وينزع خاتمه ، وعلم منه أن الضرب ليس بشرط فيه ، بل القصد حصول التراب في محله ، فلو كان ناعما فوضع يديه عليه أجزأه ، ولو أوصله بخرقة أو بيد أو بعضها جاز ، ذكره جماعة ، وكذلك لو نوى ، وصمد للريح حتى عمت محل الفرض بالتراب ، ذكره القاضي ، والشريف ، كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه ، وفيه وجه : لا ، لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ، وفي ثالث : يجزئ إن مسح بيديه ، فإن لم ينو حتى حصل في المحل ، ثم مسح وجهه بغير ما عليه صح ، وإلا فلا ( على التراب ) الطهور ( ضربة واحدة ) لا يختلف المذهب أن التيمم بضربة [ ص: 230 ] وبضربتين وأكثر ، لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض ، فكيفما حصل جاز كالوضوء ، وفي " المغني " لا خلاف أنه لا تسن الزيادة على ضربتين إذا حصل الاستيعاب بهما ، والمنصوص ضربة واحدة ، وهي الواجب بلا نزاع لما روى عمار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد صحيح ، وفي الصحيحين معناه من حديثه أيضا ، ولأنه حكم معلق على مطلق اليد ، فلم يدخل فيه الذراع ، لأنها في الشرع إلى الكوع ، بدليل السرقة والمس ، لا يقال : هي مطلقة فيه مقيدة في الوضوء فيحمل عليه لاشتراكهما في الطهارة ، لأن الحمل إنما يصح إذا كان من نوع واحد ، كالعتق في الظهار على العتق في قتل الخطأ ، والتراب ليس من جنس الوضوء بالماء ، وهو يشرع فيه التثليث ، وهو مكروه فيه ، والوجه يغسل منه باطن الفم والأنف بخلافه هنا ، فلا يلحق به ( فيمسح وجهه بباطن أصابعه ، وكفيه براحتيه ) على سبيل الاستحباب ، فلو مسح وجهه بيمينه ، ويمينه بيساره أو عكس ، وخلل أصابعه فيهما ، صح . واستيعاب الوجه والكفين بالمسح واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه .

                                                                                                                          ( وقال القاضي ) والشيرازي ، وابن الزاغوني ، وهو رواية : ( المسنون ضربتان ، يمسح بإحداهما وجهه ، وبالأخرى يديه إلى المرفقين ) لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في التيمم ضربة للوجه ، وضربة للذراعين إلى المرفقين رواه الدارقطني ، وإسناده ثقات ، وروي أيضا من حديث ابن عمر ، قال الشافعي في رواية الزعفراني : ابن عمر تيمم ضربة للوجه ، وضربة إلى المرفقين ، وبهذا رأيت أصحابي يأخذون ، والأول أولى ، قال الإمام أحمد : من قال ضربتين إنما [ ص: 231 ] هو شيء زاده يعني : لا يصح ، وقال الخلال : الأحاديث في ذلك ضعاف جدا ، ولم يرو منها أصحاب السنن إلا حديث ابن عمر ، وقال أحمد : ليس بصحيح ، وهو عندهم حديث منكر ، قال الخطابي : يرويه محمد بن ثابت ، وهو ضعيف .

                                                                                                                          ( فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى ، ويمرها إلى مرفقه ، ويدير بطن كفه إلى بطن الذراع ، ويمرها عليه ، ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ، ويمسح اليسرى باليمنى كذلك ) لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأن في ذلك خروجا من الخلاف ، إذ بعض العلماء يوجبه ، وظاهر كلامه في " الكافي " أن هذا مباح ، قال في " الشرح " : فإن بقي في محل الفرض شيء لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته ، فإن فصلها ، وكان قد بقي عليها غبار ، جاز أن يمسح بها ، وإن لم يبق احتاج إلى ضربة أخرى ، فإن كان المتروك من الوجه مسحه ، وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب فإن طال الفصل بينهما ، وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم ( ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى ) ليمر التراب بعد الضرب ، ولا يجب ، لأن فرضهما قد سقط بإمرار كل واحد على ظهر الكف ( ويخلل الأصابع ) قياسا على مبدله .



                                                                                                                          ( ومن حبس في المصر ) واحد الأمصار أو قطع عدو ماء عن بلدة ، وعدم ( صلى بالتيمم ) لأنه عادم للماء أشبه المسافر ( ولا إعادة عليه ) لأنه أدى فرضه بالبدل ، فلم يكن عليه إعادة كالمسافر ( ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات [ ص: 232 ] المكتوبة ) نقله الجماعة ، لأن الله تعالى إنما أباحه عند عدم الماء ، وهذا واجد له كسائر الشروط ، وخروج وقت الاختيار لخروج الوقت قاله ابن تميم ( ولا الجنازة ) هذا أظهر الروايتين كما قلناه ( وعنه : يجوز للجنازة ) روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وجمع ، لأنه لا يمكن استدراكها بالوضوء ، أشبه العادم ، والمراد به فوتها مع الإمام ، قاله القاضي ، وغيره ، قال جماعة : وإن أمكنه الصلاة على القبر لكثرة وقوعه ، فتعظم المشقة ، وظاهره أنه لا يتيمم لعيد ، ونحوه ، وهو كذلك صرح به جماعة ، وعنه : يجوز كفوت العيد ، وسجود التلاوة ، واختاره الشيخ تقي الدين ، والجمعة ، وهو أولى من الجنازة ، لأنها لا تعاد ، وجعلها القاضي وغيره أصلا للمنع ، قال ابن حامد : والسجود يخرج على الجنازة قال ابن تميم : وهو حسن ، وعلى الأول : لو وصل مسافر إلى بئر ماء ، وعليه ضاق الوقت ، أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده أو علمه قريبا ، وخاف فوت الوقت أنه كقدرته على ماء بئر بثوب يبله ثم يعصره ، فإنه يلزمه إن لم تنقص قيمته أكثر من ثمن الماء ، ولو خاف الوقت ، وقيل : بلى ، فيستثنى ، اختار الشيخ تقي الدين فيمن يمكنه الذهاب إلى الحمام ، لكن لا يمكنه الخروج إلا بفوات الوقت ، كالمرأة معها أولادها ، ولا يمكنها أن تخرج حتى تغسلهم تتيمم ، وتصلي خارج الحمام ، لأن الصلاة بعد الوقت منهي عنه .

                                                                                                                          فرع : إذا تعذر عليه غسل مسنون ، كجمعة ، فهل يسن التيمم عنه ؛ على وجهين . وذكر ابن تميم أن المنصوص : أنه يشرع في غير الإحرام ، وصحح [ ص: 233 ] في " الشرح " أنه لا يسن عن غسل الإحرام ، لأنه غسل غير واجب ، فلم يستحب التيمم عند عدمه كالجمعة .



                                                                                                                          ( وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ، فبذل ما يكفي أحدهم لأولاهم به ، فهو للميت ) جزم به في " الكافي " و " الوجيز " وقدمه في " الفروع " وغيره ، لأن القصد من غسل الميت تنظيفه ، ولا يحصل بالتيمم ، والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة ، وهو يحصل بالتراب ، فعلى هذا إن فضل منه شيء كان لورثته ، فإن لم يكن حاضرا ، فللحي أخذه لطهارته بثمنه في موضعه ، لأن في تركه إتلافه ، أما إذا احتاج الحي إليه لعطش ، فهو مقدم في الأصح ( وعنه : أنه للحي ) اختارها الخلال ، لأنه يستفيد ما لا يستفيده الميت من القراءة ومس المصحف ، ونحوها .

                                                                                                                          ( وأيهما يقدم فيه وجهان ) .

                                                                                                                          أحدهما : تقدم الحائض ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " لأنها تقضي حق الله تعالى ، وحق زوجها في إباحة وطئها .

                                                                                                                          والثاني : يقدم الجنب قدمه في " الرعاية " لأن غسله ثابت بصريح القرآن بخلاف غسلها .

                                                                                                                          وفي ثالث : يقدم الرجل ذكره في " الشرح " لأنه يصلح إماما لها ، وهو مفضل عليها .

                                                                                                                          وفي رابع : يقسم بينهما أي : إذا احتملها .

                                                                                                                          [ ص: 234 ] وفي خامس : يقرع ، فإن كان على أحدهم نجاسة ، سواء كانت على ثوبه أو بدنه فهو أولى ، لأن طهارة الحدث لها بدل بخلاف النجاسة ، وتقدم نجاسة ثوبه على نجاسة بدنه ، ونجاسة بدنه على نجاسة السبيلين ، وقيل : الميت أولى ، اختاره المجد وحفيده ، ويقدم جنب على محدث ، وقيل : سواء ، وقيل : المحدث إلا أن يكفي من تطهر به منهما ، وإن كفاه فقط ، قدم ، وقيل : الجنب ، فإن تطهر به غير الأولى كان مسيئا مع صحة طهارته ذكره ، في " الشرح " و " الفروع " لأن الآخر لم يملكه ، وإنما قدم لشدة حاجته ، وعند الشيخ تقي الدين : أن هذه المسائل في الماء المشترك ، وهو ظاهر ما نقل عن أحمد . وإن وجد الماء في مكان فهو للأحياء ، لأنه لا وجدان للميت .




                                                                                                                          الخدمات العلمية