الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء


              حدثنا عبد الله بن محمد ، ومحمد بن علي قالا : ثنا أبو يعلى ، ثنا عبد الصمد بن يزيد ، سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : قال عبد العزيز بن أبي رواد لأخ له : " أقرضنا خمسة آلاف درهم إلى الموسم ، فشد التاجر وحملها إليه ، فلما جن الليل وأوى التاجر إلى فراشه قال : ما صنعت يا ابن أبي رواد أنت شيخ كبير ، وأنا شيخ كبير فلا أدري ما يحدث الله بي أو بك فلا يعرف له ولدي ما أعرفه ، لئن أصبحت سالما لآتينه فأجعله منها في حل ، فلما أصبح أتى عبد العزيز بن أبي رواد فأصابه خلف المقام - وكان عبد العزيز عظم جلوسه خلف المقام في الحجر - فقال : يا أبا عبد الرحمن ، رأيت البارحة في أمر [ ص: 192 ] فكرهت أن أقطعه حتى أشاورك فيه ، قال : ما هو ؟ قال : تفكرت في المال الذي حملته إليك فإذا أنت شيخ كبير وأنا شيخ كبير ، فلا أدري ما يحدث الله تعالى بي أو بك ، فلا يعرف لك ولدي ما أعرف لك ورأيت أن أجعلك منها في حل في الدنيا والآخرة ، فقال : اللهم اغفر له اللهم أعطه أفضل ما نوى ، ثم دعا له بما حضره من الدعاء فقال له : إن كنت إنما تشاور في هذا المال فإنما استقرضناه على الله فكلما اغتممنا به كفر الله به عنا ، فإذا جعلتنا في حل كأنه سقط قال : فكره التاجر أن يخالفه ، قال : فما أتى الموسم حتى مات التاجر ، فأتاه ولده في الموسم ، فقالوا له : يا أبا عبد الرحمن : مال أبينا ، فقال لهم : لم أتهيأ ولكن الميعاد فيما بيننا وبينكم الموسم الذي يأتي ، فقام القوم من عنده ، فلما دار الموسم الآتي لم يتهيأ المال ، فقال : إني أهون عليك من الخشوع وتذهب بأموال الناس ، قال : فرفع رأسه ، فقال : رحم الله أباكم مذ كان يخاف هذا وشبهه ، ولكن الأجل بيننا وبينكم الموسم الذي يأتي وإلا فأنتم في حل مما قلتم ، قال : فبينا هو ذات يوم خلف المقام إذ ورد عليه غلام له كان قد هرب منه إلى أرض السند أو الهند بعشرة آلاف درهم ، فقال : السلام عليك يا مولاي أنا غلامك الذي هربت منك وإني وقعت إلى أرض السند أو الهند فاتجرت ورزق الله بها عشرة آلاف درهم ، ومعي من التجارات ما لا أحصيها ، قال سفيان : فسمعته يقول : لك الحمد سألناك خمسة آلاف فبعثت إلينا عشرة آلاف ، يا عبد المجيد احمل هذه العشرة آلاف فأعطهم إياها وأقرئهم السلام ، وقل : هذه العشرة بعث بها أبي إليكم ، فقالوا : إنما لنا خمسة آلاف ، فقال : صدقتم خمسة لكم للإخاء الذي كان بينه وبين أبيكم ، قال : فأسقط القوم في أيديهم لما جاء منهم من اللوم وما جاء به من الكرم ، فرجع إلى أبيه قال : فدفعها إليهم ، فقال العبد : عده يقبض ما معي ، فقال : يا بني إنما سألناه خمسة آلاف فبعث إلينا بعشرة آلاف أنت حر لوجه الله وما معك فهو لك " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا خلاد بن يحيى ، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، قال : كان يقال : " من رأس التواضع الرضاء بالدون [ ص: 193 ] من شرف المجالس ، وكان يقال : في رأس كل إنسان حكمة إحداهما ملك تواضع لربه ، وقال : النفس رحمك الله وإن تكبر معه وقال : أحيا أحياك الله .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية