الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
846 [ ص: 67 ] حديث ثالث ليزيد بن الهادي

مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي ، فوجده يأكل قال : فدعاني قال : فقلت : له إني صائم ، فقال : هذه الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهن ، وأمرنا بفطرهن . قال مالك : وهي أيام التشريق .

التالي السابق


هكذا يقول : يحيى في هذا الحديث ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، عن عبد الله بن عمرو ، وأنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي ، فجعل ، الحديث ، عن أبي مرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه لم يذكر سماع أبي مرة من عمرو بن العاصي ، وقال يحيى - أيضا - مولى أم هانئ امرأة عقيل ، وهو خطأ فاحش أدركه عليه ابن وضاح ، وأمر بطرحه ، قال : وللصواب أنها أخته لا امرأته ، وقال سائر الرواة ، عن مالك ، وابن القاسم ، وابن وهب ، وابن بكير ، وأبي مصعب ، ومعن ، والشافعي ، وروح بن عبادة ، ومحمد بن الحسن ، وغيرهم في هذا الحديث ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي ، وروى ابن وهب ، وغيره عن مخرمة بن بكير بن الأشج ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا مرة [ ص: 68 ] يحدث ، عن أبي رافع مولى ابن العجماء ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال دخلت على عمرو بن العاصي الغد من يوم النحر ، وعبد الله صائم ، فقال : اقترب ، فكل ، فقلت : إني صائم ، فقال : عمرو ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى ، عن صيام هذه الأيام ذكره أبو الحسن الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الله محمد بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، فذكره .

ورواية مخرمة بن بكير هذه تشهد لرواية يحيى بن يحيى ، عن مالك بأن أبا مرة لم يسمع الحديث من عمرو بن العاصي ، - والله أعلم - .

وقال ابن أخي ابن وهب ، والربيع بن سليمان المرادي ، عن ابن وهب أخبرني ابن لهيعة ، عن مالك ، عن ابن الهادي ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أنه قال : دخلت مع عبد الله بن عمرو على أبيه .

هكذا يقول : يزيد في هذا الحديث ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، وأكثرهم يقولون : مولى عقيل بن أبي طالب ، واسمه يزيد بن مرة .

في هذا الحديث ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي على أبيه عمرو بن العاصي ، وكذلك قال روح بن عبادة ، عن مالك ، وكذلك قال الليث ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي على عمرو بن العاصي ، وذكر مثل حديث مالك .

[ ص: 69 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن الجهم السمري حدثنا روح بن عبادة ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاصي يقرب إليه طعاما ، قال : كل ، قال : إني صائم ، فقال : عمرو كل ، فهذه الأيام التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بفطرها ، وينهانا عن صيامها قال مالك ، وهي أيام التشريق .

وقد روي هذا الحديث ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسن أسانيد حديث عمرو بن العاصي هذا إسناد مالك هذا ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه .

وقد روي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى ، عن صيام أيام التشريق جماعة من الصحابة منهم : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن حذافة ، وبشر بن سحيم ، وعمرو بن العاصي ، وعقبة بن عامر .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن علي قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثنا موسى بن علي ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن علي ، والأخبار في حديث ابن [ ص: 70 ] وهب قال : سمعت أبي يقول : إنه سمع عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيد أهل الإسلام ، وهي أيام أكل ، وشرب لا يوجد ذكر يوم عرفة في غير هذا الحديث ، وقد مضى القول في ذلك في غير هذا الباب من هذا الكتاب منها : باب ابن شهاب ، وباب أبي النضر ، ومضى هنالك كثير من معاني هذا الباب ، والحمد لله .

واختلف الفقهاء في صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، ولم يصم قبل يوم النحر ولمن نذر صومها أو صوم بعضها ، فذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك قال لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها .

وقال في موضع آخر ، ولا يتطوع أحد بصيام أيام منى .

وروى ابن وهب ، عن مالك قال : لا يصام يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .

وروى ابن القاسم ، عن مالك قال : لا يصوم أحد يوم الفطر ، ولا يوم النحر بحال من الأحوال ، ولا ينبغي لأحد أن يصوم أيام الذبح الثلاثة قال : وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر ، فلا يصومهما أحد [ ص: 71 ] متطوعا ، ولا يقضي فيهما صياما ، واجبا من نذر ، ولا رمضان ، ولا يصومهما إلا المتمتع الذي لم يصم في الحج ، ولم يجد الهدي قال : وأما آخر أيام التشريق ، فيصام إن نذره رجل أو نذر صيام ذي الحجة ، فأما قضاء رمضان أو غيره ، فلا يفعل إلا أن يكون قد صام قبل ذلك صياما متتابعا ، فمرض ثم صح ، وقوي على الصيام في هذا اليوم ، فيبني على الصيام الذي كان صامه في الظهار أو قتل النفس .

وأما رمضان خاصة ، فإنه لا يصومه عنه .

وقال الشافعي في رواية الربيع ، و المزني ، ولا يصام يوم الفطر ، ولا يوم النحر ، ولا أيام منى ، فرضا ، ولا تطوعا ، ولو صامها متمتع لم يجد هديا لم يجز عنه بحال .

قال المزني : وقد قال مرة يجزي عنه ، ثم رجع عنه ، وأصحاب الشافعي على القولين جميعا .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، وابن علية لا يصام يوم الفطر ، ولا يوم النحر ، ولا أيام التشريق على حال ، ومن نذر صيامها لم يجز له وقضاها ، ولا يصومها المتمتع ، ولا غيره .

وقال الليث : لا يصوم أحد أيام منى متمتع ، ولا غيره ، والحجة لمذهب الليث ، ومن قال كقوله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر مناديه ، فنادى [ ص: 72 ] في أيام التشريق أنها أيام أكل ، وشرب ، ونهى ، عن صيامها ، وقد علم أن في أصحابه من المتمتعين من يمكن أن يكون لا يجد هديا ، وحقيقة النهي حمله على العموم إلا أن يتفق على أنه أريد به الخصوص .

وقد روي ، عن عمر ، وابن عباس أنهما نهيا المتمتع ، عن صيام أيام منى ، وقد أجمعوا على أن النهي ، عن صيام يوم النحر ، ويوم الفطر نهي عموم ، فكذلك نهيه ، عن صيام أيام منى هذه جملة ما احتج به الكوفيون ، ومن قال بقولهم في ذلك .

ومن حجة من أجاز صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي عموم قول الله - عز وجل - في المتمتع ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ، ومعلوم أنها من أيام الحج لما فيها من عمله ، فبهذا قلنا إن النهي خرج على التطوع بها كنهيه عن الصلاة بعد العصر ، والصبح على ما قد ذكرناه ، والحمد لله .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك في صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي ، ولم يصم الثلاثة الأيام في الحج أنه يصوم أيام التشريق ، وهو قول ابن عمر ، وعائشة ، وهو أحد قولي الشافعي قال مالك : فإن فاته صيام أيام التشريق صام العشرة كلها إذا رجع إلى بلاده ، وأجزأه ، وإن وجد هديا بعد رجوعه أهدى ، ولم يصم .

[ ص: 73 ] قال أبو عمر : روي ، عن ابن عمر ، والزبير ، وأبي طلحة ، والأسود بن يزيد أنهم يصومون أيام التشريق تطوعا ، وليس ذلك بصحيح عنهم ، ولو صح كان الحجة فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما جاء عنهم ، وجماعة العلماء ، والفقهاء على كراهية صيام أيام التشريق تطوعا ، وبالله التوفيق .

وأيام التشريق هي أيام منى ، وأيام الذبح بعد يوم النحر عند جماعة من أهل العلم ، وقد اختلف العلماء في أيام الذبح للأضحى ، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في باب يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار من هذا الكتاب ، والحمد لله .

وفي اشتقاق أيام التشريق لأهل اللغة قولان : أحدهما : أنها سميت بذلك ; لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس ، والآخر : أنها سميت بذلك ; لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت .

قال قتادة : وقول ثالث : إنما سميت أيام التشريق ; لأنهم كانوا يشرقون الشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج هذا قول أبي جعفر محمد بن علي .




الخدمات العلمية