الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فأما مسبوق ركع الإمام في فاتحته فالأصح أنه إن لم يشتغل بالافتتاح ، والتعوذ ) بأن قرأ عقب تحرمه ( ترك قراءته وركع ) ، وإن كان بطيء القراءة فلا يلزمه غير ما أدركه هنا بخلاف ما مر في الموافق لأن ما هنا رخصة فناسبها رعاية حاله لا غير بخلاف الموافق [ ص: 349 ] ( وهو ) بركوعه معه أو قبل قيامه عن أقل الركوع ( مدرك للركعة ) بشرطه الآتي ؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه فيتحمل الإمام عنه ما بقي كما يتحمل عنه الكل لو أدركه راكعا أو ركع عقب تحرمه ( وإلا ) بأن اشتغل بهما أو بأحدهما أو لم يشتغل بشيء بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته وهو عالم بأن واجبه الفاتحة ( لزمه قراءة ) من الفاتحة سواء أعلم أنه يدرك الإمام قبل سجوده أم لا على الأوجه ( بقدره ) أي ما أتى به أي بقدر حروفه في ظنه كما هو ظاهر أو بقدر زمن ما سكته لتقصيره في الجملة بالعدول من الفرض إلى غيره

                                                                                                                              وإن كان قد أمر بالافتتاح ، والتعوذ لظنه الإدراك فركع على خلاف ظنه وعن المعظم يركع وتسقط عنه البقية واختير بل رجحه جمع متأخرون وأطالوا في الاستدلال له ، وإن كلام الشيخين يقتضيه وعلى الأول متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته إن علم وتعمد كما هو ظاهر وإلا لم يعتد بما فعله ومتى ركع الإمام وهو متخلف لما لزمه وقام من الركوع فاتته الركعة بناء على أنه متخلف بغير عذر ومن عبر بعذره [ ص: 350 ] فعبارته مؤولة ثم إذا فرغ قبل هوي الإمام للسجود وافقه ولا يركع وإلا بطلت إن علم وتعمد وكذا حيث فاته الركوع ، وإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود لما تقرر أنه متخلف بغير عذر فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة فتتعين عليه حذرا من بطلان صلاته عند عدمها بكل تقدير ويشهد له ما مر في متعمد ترك الفاتحة وبطيء الوسوسة ثم رأيت شيخنا أطلق نقلا عن التحقيق

                                                                                                                              واعتمده أنه يلزمه متابعته في الهوي حينئذ ويمكن توجيهه بأنه لما لزمته المتابعة قبل المعاوضة استصحب وجوبها وسقط موجب تقصيره من التخلف لقراءة قدر ما لحقه فغلب واجب المتابعة فعليه إن صح لا تلزمه مفارقته أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر قاله القاضي

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : في المتن ترك قراءته وركع ) [ ص: 349 ] فلو تخلف لقراءتها حتى رفع الإمام من الركوع فاتته الركعة قال المحلي ولا تبطل ( قوله : وهو عالم ) يأتي محترزه ( قوله : على الأوجه ) أي خلافا لما في شرح الروض عن الفارقي أن صورتها أن يظن أنه يدرك الإمام قبل سجوده وإلا فيتابعه قطعا ولا يقرأ لكن الذي نص عليه في الأم أن صورتها أن يظن أنه يدرك الإمام في ركوعه وإلا فيفارقه ويتم صلاته نبه على ذلك الأذرعي وهو المعتمد لكن لا تلزم المفارقة إلا عند هويه للسجود ؛ لأنه يصير متخلفا بركنين شرح م ر ( قوله : لتقصيره ) قال في شرح الروض قال الأذرعي وقضية التعليل بتقصيره بما ذكر أنه إذا ظن إدراكه في الركوع فأتى بالافتتاح والتعوذ فركع الإمام على خلاف العادة بأن قرأ الفاتحة وأعرض عن السنة التي قبلها ، والتي بعدها يركع معه ، وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا ومقتضى إطلاق الشيخين [ ص: 350 ] وغيرهما أنه لا فرق . ا هـ . وهذا المقتضى هو المعتمد لبقاء محل القراءة ولا نسلم أن تقصيره بما ذكر منتف في ذلك ولا عبرة بالظن البين خطؤه ا هـ ما في شرح الروض وأقول ينبغي أن المراد بالمقتضى المذكور أنه إن كان الزمن الذي أدركه يسع جميع الفاتحة تخلف لها كبطيء القراءة أو بعضها لزمه التخلف لقراءة قدره فليتأمل ( قوله : ثم إذا فرغ إلخ ) هل يأتي هذا على ما مر عن النص أنه إذا لم يظن أنه يدركه في ركوعه يفارقه فيكون محل وجوب المفارقة ما لم يفرغ قبل هوي الإمام للسجود وإلا سقط الوجوب أولا فتلزمه المفارقة مطلقا ( قوله : فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة ) معلوم أنه إذا نوى المفارقة وجب إتمام الفاتحة فلو أراد بعد نية المفارقة أن يجدد الاقتداء به فهل إذا جدد يتابعه ويسقط عنه قراءة ما كان وجب قراءته أو لا فيه نظر ولعل الأوجه الثاني فليراجع ( قوله : بكل تقدير ) أي من تقديري التخلف ، والسجود مع الإمام ( قوله : ثم رأيت شيخنا أطلق إلخ ) كان مراده به أنه لم يفصل بين أن يكون فرغ مما لزمه أو لا واعلم أن كلام التحقيق صريح في تفريغ لزوم المتابعة في الهوي على القول بأنه يلزم المسبوق إذا ركع الإمام أن يركع معه مطلقا ، وإن كان اشتغل بغير الفاتحة فراجعه .

                                                                                                                              ( قوله : ويمكن توجيهه إلخ ) يمكن توجيهه أيضا بأنه برفع الإمام عن الركوع تحقق عدم إدراك الركعة فلا فائدة في التخلف للقراءة بعد ذلك وقد يمنع نفي الفائدة بأن الإمام قد يتذكر ما يقتضي عدم إجزاء ركوعه وعوده إليه فيدرك معه إلا أن قضية هذا اللزوم المتابعة في الاعتدال قبل الهوي ويمكن أن يكون هذا مراد الشيخ ، وإنما ذكر الهوي لأنه الذي تظهر به المخالفة بخلاف ما قبله ، فإنهما متوافقان في صورته مشتركان فيها وقد يمنع قولنا لا فائدة في التخلف بأن فائدته تدارك ما لزمه قراءته إلا أن يقال برفع الإمام سقط اللزوم إذ القراءة بعدها لا متابعة فيها ولا تحصل الركعة فليتأمل واعلم أن ما نسبه للتحقيق لم يذكره فيه إلا على وجه ضعيف كما يعلم بمراجعته ( قوله : فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر ) قضية [ ص: 351 ] هذا أنه كبطيء القراءة مع أنه فرضه في المسبوق لا يدرك ركعة إلا بالركوع مع الإمام



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : بأن قرأ إلخ ) لعل المراد بدون إبطاء عمدا قول المتن ( ترك قراءته وركع ) ، فإن تخلف لإتمام الفاتحة وفاته الركوع معه وأدركه في الاعتدال بطلت ركعته ؛ لأنه لم يتابعه في معظمها فكان تخلفه بلا عذر فيكون مكروها ولا تبطل صلاته محلي ونهاية ومغني ( قوله غير ما أدركه ) أي غير ما قرأه نهاية ( قوله بخلاف ما مر في الموافق ) أي من أنه يتم الفاتحة ويسعى خلفه إلخ .

                                                                                                                              [ ص: 349 ] قوله : بركوعه ) إلى قول المتن لزمه في النهاية إلا قوله بشرطه الآتي ( قوله : بشرطه الآتي ) أي في الفصل الآتي في قول المتن مع الشارح قلت إنما يدركها بشرط أن يكون ذلك الركوع محسوبا له وأن يطمئن إلخ ( قوله : لأنه لم يدرك غير ما قرأه ) لا يظهر وجه مناسبته هنا وذكره النهاية ، والمغني عقب قول المتن وركع ( قوله أو ركع ) أي الإمام ( قوله : أو لم يشتغل إلخ ) هلا زاد أو أبطأ في القراءة على خلاف عادته بغير عذر ( قوله : وهو عالم إلخ ) يأتي محترزه سم ( قوله : وهو عالم بأن واجبه إلخ ) الظاهر أنه قيد في الجميع حتى الاشتغال بما مر وهل يكتفى بكونه عالما بذلك ، وإن كان ناسيا حينئذ الحكم أو لا بد من كونه ذاكرا له حينئذ محل تأمل ، والقلب إلى الثاني أميل فليراجع بصري ( قوله : على الأوجه ) أي خلافا لما في شرح الروض عن الفارقي سم عبارة النهاية قال الفارقي وصورة تخلفه للقراءة أن يظن أنه يدرك الإمام قبل سجوده وإلا فلا يتابعه قطعا ولا يقرأ وذكر مثله الروياني في حليته والغزالي في إحيائه لكن الذي نص عليه في الأم أن صورتها أن يظن أنه يدركه في ركوعه وإلا فيفارقه ويتم صلاته نبه على ذلك الأذرعي وهو المعتمد لكن يتجه لزوم المفارقة له عند عدم ظنه ذلك ، وإن لم يفعل أثم ولكن لا تبطل صلاته حتى يصير متخلفا بركنين . ا هـ . وفي المغني وسم مثلها إلا أنهما قالا بدل وهو المعتمد إلخ وهذا كما قال شيخي هو المعتمد لكن لا يلزمه المفارقة إلا عند هويه للسجود ؛ لأنه يصير متخلفا بركنين . ا هـ . أي المغني ( قوله : أي ما أتى به ) إلى قوله ثم رأيت في النهاية إلا قوله ، وإن كان قد أمر إلى وعن المعظم وقوله وأطالوا إلى وعلى الأول وقوله وكذا حيث فاته الركوع ( قوله : أو بقدر زمن ما سكته ) أي من القراءة المعتدلة على قياس ما مر له في ضابط الموافق فليراجع رشيدي ( قوله : ما سكته ) عبارة النهاية سكوته ( قوله : لتقصيره في الجملة إلخ ) قال الأذرعي وقضية التعليل بما ذكر أنه إذا ظن إدراكه في الركوع فأتى بالافتتاح ، والتعوذ فركع الإمام على خلاف العادة وأعرض عن السنة التي قبلها ، والتي بعدها يركع معه ، وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا فرق . ا هـ . وهذا المقتضى كما قال شيخنا هو المعتمد لبقاء محل القراءة ولا نسلم أن تقصيره بما ذكر منتف في ذلك إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه مغني ونهاية وقولهما ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا فرق أي بين ظنه إدراك الفاتحة وعدمه وعليه ، فإن كان أدرك مع إمامه زمنا يسع الفاتحة فهو كبطيء القراءة وإلا فيقرأ بقدر ما فوته ع ش وسم ( قوله : فركع ) أي الإمام ( قوله : وعن المعظم إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني والثاني يوافقه مطلقا ويسقط باقيها لخبر { إذا ركع فاركعوا } واختاره الأذرعي تبعا لترجيح جماعة . ا هـ . ( قوله : وإن كلام الشيخين إلخ ) عطف على قوله رجحه إلخ ( قوله : وعلى الأول ) إلى قوله ثم إذا فرغ في المغني إلا قوله إن علم إلى ومتى ( قوله : وعلى الأول ) أي الأصح من لزوم القراءة بقدر ما أتى به أو زمن سكوته ( قوله كما هو إلخ ) أي التقييد بالعلم ، والعمد ( قوله وإلا ) أي بأن كان جاهلا أو ناسيا ع ش ( قوله لم يعتد إلخ ) أي فيأتي بركعة بعد سلام إمامه ع ش قال الرشيدي وهل يجب عليه العود لتتميم القراءة مع نية المفارقة إذا هوى الإمام للسجود إذا علم بالحال إذ حركته غير معتد بها حينئذ فلا وجه لمضيه فيما هو فيه أو لا يجب والظاهر الأول فليراجع . ا هـ . أقول وجزم بالثاني الجمل على النهاية وهو قضية ما مر عن ع ش آنفا ( قوله ومن عبر بعذره إلخ ) عبارة المغني ولا ينافيه قول البغوي بعذره في التخلف ؛ لأن معناه أنه يعذر بمعنى أنه لا كراهة ولا بطلان بتخلفه قطعا لا بمعنى أنه إن لم يدرك الإمام في الركوع لم تفته الركعة اللهم إلا [ ص: 350 ] أن يريد أنه كبطيء القراءة ، فإنه لا تفوته الركعة إذا لم يدرك الإمام في الركوع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فعبارته مؤولة ) عبارة النهاية نظرا إلى أنه ملزوم بالقراءة كما أشار إلى ذلك الشارح . ا هـ . ( قوله : ثم ) أي بعد أن اشتغل المسبوق بإتيان ما لزمه ( قوله إذا فرغ ) أي من إتيانه ( قوله : وإلا إلخ ) أي ، وإن لم يتابعه فركع ( قوله : وكذا حيث إلخ ) كان المراد به الإشارة إلى ما لو أدرك الإمام بعد رفعه عن أقل الركوع فتجب متابعة الإمام فيما هو فيه حتى لو ركع عامدا عالما بطلت صلاته هذا ومقتضى إطلاقهم هنا أن ذلك لا يبطل من الجاهل ، وإن كان غير معذور وكلامهم في مواطن كثيرة قاض بالتفصيل فليتأمل بصري وقوله وكلامهم في مواطن إلخ وقد يقال إن ما هنا مما يخفى على بعض العلماء فضلا عن الجاهل ( قوله : وإن لم يفرغ إلخ ) عطف على قوله إذا فرغ إلخ ( قوله : إلا نية المفارقة ) ومعلوم أنه إذا نوى المفارقة وجب عليه إتمام الفاتحة فلو أراد بعد نية المفارقة أن يجدد الاقتداء به فهل إذا جدده يتابعه ويسقط قراءة ما كان وجبت قراءته أو لا فيه نظر ولعل الوجه الثاني فيراجع سم ( قوله : بكل تقدير ) أي من تقديري التخلف ، والسجود مع الإمام سم ورشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : ويشهد له ) أي للزوم نية المفارقة ( وقوله : ما مر ) أي في شرح ، وإن كان بأن أسرع قراءته ( قوله : ثم رأيت شيخنا أطلق إلخ ) كان مراده به أنه لم يفصل بين أن يكون فرغ مما لزمه أو لا واعلم أن كلام التحقيق صريح في تفريع لزوم المتابعة في الهوي على القول الضعيف أنه يلزم المسبوق إذا ركع الإمام أن يركع معه مطلقا ، وإن كان اشتغل بغير الفاتحة فراجعه سم عبارة النهاية وما نقله الشيخ عن التحقيق واعتمده من لزوم متابعته في الهوي حينئذ ويوجه بأنه لما لزمه إلخ بحسب ما فهمه من كلامه وإلا فعبارته صريحة في تفريعه على المرجوح . ا هـ . ( قوله : أما إذا جهل إلخ ) محترز قوله وهو عالم بأن واجبه إلخ رشيدي ( قوله فهو بتخلفه لما لزمه متخلف إلخ ) قال الشهاب سم قضية هذا أنه كبطيء القراءة مع أنه فرضه في المسبوق والمسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام انتهى أقول يحتمل أن يكون هذا مراد القاضي فيكون مخصصا لقولهم : إن المسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام فيكون محله في العالم بأن واجبه القراءة ويحتمل وهو الأقرب واقتصر عليه شيخنا ع ش في الحاشية أن مراد القاضي أن صلاته لا تبطل بتخلفه إلى ما ذكر فيكون محل بطلانها بهوي [ ص: 351 ] الإمام للسجود إذا لم يفارقه في غير هذه الصورة لكن تفوته الركعة وليس معنى كونه متخلفا بعذر أنه يعطى حكم المعذور من كل وجه ولا إشكال في ذلك ، وإن أشار الشهاب المذكور إلى إشكاله بما ذكر رشيدي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية