الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
811 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، وفي مؤخر الصفوف رجل ، فأساء الصلاة ، فلما سلم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ألا تتقي الله ؟ ألا ترى كيف تصلي ؟ إنكم ترون أنه يخفى علي شيء مما تصنعون ، والله إني لأرى من خلفي كما أرى من بين يدي " ، رواه أحمد .

التالي السابق


811 - ( وعن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وفي مؤخر الصفوف رجل ، فأساء الصلاة ) : قال الطيبي : الفاء للسببية يعني : أن تأخره كان سببا لإساءة الصلاة ؛ ولذا عنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : إني لأرى اهـ ، وفيه بحث ، وقال ابن حجر قوله : فأساء الصلاة ، أي : أتى فيها بما يبطلها ، كما يدل له قوله : ألا تتقي الله ، والفاء هنا الظاهر أنها زائدة لتزيين اللفظ اهـ .

والأظهر أنها للتعقيب ، والتقدير : وفي مؤخر الصفوف رجل صلى معنا فأساء الصلاة ( فلما سلم ) : أي : النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل ( ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ألا تتقي الله ؟ ) ، أي : مخالفته أو معاقبته ، وهو إبهام ويبينه قوله : " ألا ترى " ، أي : تنظر وتتأمل ( كيف تصلي ؟ ) : بالخطاب ، وفي نسخة بنون المتكلم ( إنكم ترون ) : بضم التاء ، أي : تظنون ( أنه يخفى علي شيء مما تصنعون ) ، أي : في صلاتكم ، أو مطلقا في بعض الأوقات ( والله ) : قسم ( إني لأرى ) ، أي : أبصر أو أعلم ( من خلفي ) : بحرف الجر ، وفي نسخة : بمن الموصولة ( كما أرى من بين يدي ) : بكسر ( من ) ، وجر ( بين ) ، وفي نسخة بفتح من ونصب بين يدي على الظرفية ، قال ابن حجر : أي في حال الصلاة ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحصل له فيها قرة العين [ ص: 670 ] بما يفاض عليه فيها من غايات القرب ، وخوارق التجليات ، فتنكشف له حقائق الموجودات على ما هي عليه ، فيدرك من خلفه كما يدرك من أمامه ؛ لأنه لباهر كماله لا يشغله جمعه عن فرقه ، فهو وإن استغرق في عالم الغيب لا يخفى عليه شيء من عالم الشهادة ، فعلم أن ما هنا لا ينافي قوله عليه السلام : " إني لا أعلم ما وراء جداري " على تقدير صحته ؛ لأنه بالنسبة إلى خارج الصلاة ، وقيل : بل كان له عينان بين كتفه كسم الخياط يرى بهما كما يرى بعينيه الأصليتين ، مع أن في الحقيقة لا منافاة ؛ لأن المثبت هنا الرؤية البصرية ، والمنفي ثمة العلم أي بالمغيبات ، فلم يتواردا على شيء واحد ، وفي معنى هذا خبر الصحيحين ، عن أبي هريرة أيضا ، " هل ترون قبلتي هاهنا ؟ فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأرى من وراء ظهري " وفيه رواية لمسلم عن أنس : " أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ، فإني أراكم من أمامي ومن خلفي " ولا ينافي ذلك توقف الرؤية في حق المخلوق على حاسة وشعاع ومقابلة اتفاقا ؛ لأن محله في غير المعجزة ، وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها ، قيل سبب رؤيته لمن وراءه أن صورهم كانت منطبعة في قبلته ، ورد بأن مثل هذا لا يتجاسر عليه إلا بنقل صحيح ، وقيل : هي رؤية قلب ، قيل : وحي أو إلهام ، ورد بأن الصواب أنها رؤية مشاهدة ببصر كما مر ، وخبر ( لا أعلم ما وراء جداري ) ، لا ينافي بناء على ما مر إخباره - عليه السلام - بمغيبات لا تحصى ؛ لأن ذاك على الأصل ، وهذا على خرق العادة بوحي أو إلهام .

قلت : هذا مناقضة بل مضادة في الكلام ، ثم قال : ويؤيده أنه - عليه السلام - لما ضلت ناقته ، وقال بعض المنافقين : إن محمدا يزعم أنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ، قال - عليه السلام - : " والله إني لا أعلم إلا ما علمني ربي ، وقد دلني ربي عليها ، وهي في موضع كذا وكذا ، حبستها شجرة بخطامها " فذهبوا فوجدوها كما أخبر صلى الله عليه وسلم اهـ ، والحاصل أن أحوال الأنبياء والأولياء مختلفة ؛ ولهذا لم ير يعقوب ولده يوسف في البئر مع قربها إلى بلده ، ووجد ريح قميص يوسف من حين فصلت العير من مصر ، ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية