الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى

                                                                                                                                                                                                                                        كلا إذا بلغت التراقي يعني بلوغ الروح عند موته إلى التراقي ، وهي أعلى الصدر ، واحدها ترقوة . وقيل من راق فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : قال أهله : من راق يرقيه بالرقى وأسماء الله الحسنى ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : من طبيب شاف ، قاله أبو قلابة ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 158 ]


                                                                                                                                                                                                                                        هل للفتى من بنات الدهر من واقي أم هل له من حمام الموت من راقي



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : قال الملائكة : من راق يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس . وظن أنه الفراق أي تيقن أنه مفارق الدنيا . والتفت الساق بالساق فيه أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : اتصال الدنيا بالآخرة ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : الشدة بالشدة والبلاء بالبلاء ، وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع ، قاله عكرمة ومجاهد ، ومنه قول حذيفة بن أنس الهذلي


                                                                                                                                                                                                                                        أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها     وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا .



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : التفت ساقاه عند الموت ، وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن التفاف الساق بالساق عند الميثاق ، قال الحسن : ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليهما جوالا .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه اجتمع أمران شديدان عليه : الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه ، قاله ابن زيد . إلى ربك يومئذ المساق فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : المنطلق ، قاله خارجة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : المستقر ، قاله مقاتل . فلا صدق ولا صلى هذا في أبي جهل ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : فلا صدق بكتاب الله ولا صلى لله ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : فلا صدق بالرسالة ولا آمن بالمرسل ، وهو معنى قول الكلبي . ويحتمل ثالثا : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه . ولكن كذب وتولى فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : كذب الرسول وتولى عن المرسل .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة . ثم ذهب إلى أهله يتمطى يعني أبا جهل ، وفيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 159 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يختال في نفسه ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يتبختر في مشيته ، قال زيد بن أسلم وهي مشية بني مخزوم .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن يلوي مطاه ، والمطا : الظهر ، وجاء النهي عن مشية المطيطاء وذلك أن الرجل يلقي يديه مع الكفين في مشيه . أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى حكى الكلبي ومقاتل : أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل ببطحاء مكة وهو يتبختر في مشيته ، فدفع في صدره وهمزه بيده وقال : أولى لك فأولى فقال أبو جهل : إليك عني أوعدني يا ابن أبي كبشة ما تستطيع أنت ولا ربك الذي أرسلك شيئا ، فنزلت هذه الآية . وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : وليك الشر ، قال قتادة ، وهذا وعيد على وعيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ويل لك ، قالت الخنساء


                                                                                                                                                                                                                                        هممت بنفسي بعض الهموم     فأولى لنفسي أولى لها .
                                                                                                                                                                                                                                        سأحمل نفسي على آلة     فإما عليها وإما لها .



                                                                                                                                                                                                                                        الآلة : الحالة ، والآلة : السرير أيضا الذي يحمل عليه الموتى . أيحسب الإنسان أن يترك سدى فيه أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : فهل لا يفترض عليه عمل ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يظن ألا يبعث ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ملغى لا يؤمر ولا ينهى ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : عبث لا يحاسب ولا يعاقب ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 160 ]


                                                                                                                                                                                                                                        فأقسم بالله جهد اليمين     ما ترك الله شيئا سدى



                                                                                                                                                                                                                                        ألم يك نطفة من مني يمنى فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن معنى يمنى يراق ، ولذلك سميت منى لإراقة الدماء فيها .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بمعنى ينشأ ويخلق ، ومنه قول يزيد بن عامر


                                                                                                                                                                                                                                        فاسلك طريقك تمشي غير مختشع     حتى تلاقي ما يمني لك الماني .



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه بمعنى يشترك أي اشتراك ماء الرجل بماء المرأة . ثم كان علقة يعني أنه كان بعد النطفة علقة . فخلق فسوى يحتمل وجهين . أحدهما : خلق من الأرحام قبل الولادة وسوى بعدها عند استكمال القوة وتمام الحركة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : خلق الأجسام وسواها للأفعال ، فجعل لكل جارحة عملا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية