الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
977 [ ص: 271 ] حديث موفي ثلاثين ليحيى بن سعيد

يحيى
، عن عبادة بن الوليد

مالك ، عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد جمهور رواته ، وهو الصحيح ، منهم ابن وهب ، وابن القاسم ، ومعن ، وابن بكير ، وابن أويس ، وغيرهم ، ( وما خالفه عن مالك ، فليس بشيء في جامع الموطأ ، عن مالك ، عن يحيى ، عن عبادة بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت - ولم يذكر أباه ، وتابعه عبد الله بن يوسف ، ورواه قتيبة ، عن مالك ، عن يحيى ، عن عبادة بن الوليد ، أخبرني أبي قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر عبادة بن الصامت ، وتابعه أبو مسهر ، وأبو مصعب ، عن محمد بن زريق بن جامع منه ) .

وقد [ ص: 272 ] اختلف فيه على يحيى بن سعيد ، فرواه بعضهم عنه ، عن عبادة بن الوليد ، عن أبيه قال : وبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث .

لم يذكر عبادة بن الصامت ، وزعم أن البيعة المذكورة في هذا الحديث ليست بيعة العقبة ، وأن الوليد بن عبادة له صحبة ، وأنه ممكن أن يشاهد هذه البيعة ; لأنها كانت على الحرب ، وذلك بالمدينة .

ورواه سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد ، عن جده عبادة بن الصامت - لم يذكر الوليد بن عبادة هكذا رواه الحميدي ، عن ابن عيينة .

ورواه أبو إسحاق الفزاري ، عن يحيى بن سعيد ، عن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه - لم يذكر عبادة بن الوليد ، وهذا عندي غلط - والله أعلم - ، والصحيح فيه إن شاء الله - يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد ، عن أبيه عبادة بن الصامت - وكان أحد النقباء - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب ، وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .

[ ص: 273 ] قال أبو عمر : كان عبادة بن الصامت قد شهد العقبة الأولى والثانية . وشهد بدرا ، والحديبية ، والمشاهد كلها ، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارا ، وقد ذكرنا من خبره في كتاب الصحابة ما فيه الكفاية .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت قال : كنا فيمن حضر البيعة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على - بيعة - النساء ، وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب - على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف قال : فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر .

قال أحمد بن حنبل ، وحدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال : حدثني أبي ، ومجالد ، عن عامر الشعبي ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة ، فقال : ليتكلم متكلمكم - ولا يطيل الخطبة [ ص: 274 ] فإن عليكم من المشركين عينا ، وإن يعلموا بكم يفضحوكم ; قال قائلهم - وهو أبو أمامة : سل يا محمد لربك ما شئت ، وسل لنفسك ، ولأصحابك ما شئت ، ثم أخبرنا بما لنا من الثواب على الله إذا فعلنا ذلك ، قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي ولأصحابي : أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : لكم الجنة ، قالوا : فلك ذلك .

قال الشعبي ، وكان أبو مسعود أصغرهم .

قال أحمد بن حنبل : وحدثني يحيى بن زكرياء قال : حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت الشعبي يقول : ما سمع الشيب ولا الشبان خطبة مثلها .

قال أبو عمر : هذه البيعة التي انفرد بها الأنصار بهذا اللفظ وهذا المعنى ، وسائر البيعات التي ذكر عبادة ، وغيره - هي بيعات جماعات الناس قريش والأنصار وسائر أبناء العرب ممن دخل في الإسلام ، - والله أعلم - .

قال أحمد بن حنبل سمعت سفيان بن عيينة وقيل له : تسمي النقباء ؟ ، فقال : نعم . سعد بن عبادة ، وأسعد بن زرارة ، وسعد بن [ ص: 275 ] الربيع ، وسعد بن خيثمة ، وعبد الله بن رواحة ، والمنذر بن عمرو ، وأبو الهيثم بن التيهان ، والبراء بن معرور ، وأسيد بن حضير ، وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر . وعبادة بن الصامت ، ورافع بن مالك من بني زريق . قال سفيان : عبادة عقبي بدري أحدي شجري نقيب .

قال أبو عمر : ما ذكره سفيان في النقباء خلاف ما ذكره ابن إسحاق فيهم في السير - فالله أعلم ، ولم يختلفوا أنهم اثنا عشر رجلا ، وهم الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الأولى ، وكان بينها وبين العقبة الثانية عام أو نحوه ، وكانوا في بيعة العقبة الثانية ثلاثا وسبعين رجلا ، فيما ذكر ابن إسحاق وامرأتين ، وكانت العقبة الثانية قبل الهجرة بأشهر يسيرة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن سلمان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا الليث ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب - أنه كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشهر أو نحوها ; قال : وكانت بيعة الأنصار ليلة العقبة في ذي الحجة ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في ربيع الأول .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا أحمد بن الوليد ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة [ ص: 276 ] عن سيار ، ويحيى بن سعيد ، أنهما سمعا عبادة بن الوليد يحدث ، عن أبيه ، قال سيار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال يحيى بن سعيد ، عن أبيه ، عن جده قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن نقوم بالحق حيثما كان .

فهذا شعبة قد جوده ، ففرق بين رواية سيار ، ورواية يحيى بن سعيد ، فدل ذلك على صحة من جعل حديث يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، وعبد الرحمن بن عمر بن إسحاق ، قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا مالك ، والليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد قال : حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ، قال : أخبرني أبي ، عن عبادة بن الصامت قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العسر واليسر ، والمكره والمنشط ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ، وهذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث إن شاء الله .

وأما قوله فيه : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فقول مجمل يفسره حديث مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا : فيما استطعتم وأطقتم .

وكذلك كان أخذه على النساء في البيعة ، كان يقول لهن : فيما استطعتن وأطقتن ، وهذا كله يتضمنه قول الله عز [ ص: 277 ] وجل ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، ولا يلزم من طاعة الخليفة المبايع إلا ما كان في المعروف ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمر إلا بالمعروف ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنما الطاعة في المعروف .

وأجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته قال الله - عز وجل - ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .

حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا ابن ثوبان قال : حدثني عمير بن هانئ قال : حدثني جنادة بن أبي أمية قال : حدثني عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ، ومنشطك ومكرهك ، وأثرة عليك ، وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بأمر عندك تأويله من الكتاب .

قال عمير : وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال خضير : فقلت لعبادة : أفرأيت إن أنا أطعته ، قال : يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار ، وليجئ هذا فينقذك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا الحوظي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني ربيعة بن يزيد ، قال : قعدت إلى الشعبي بدمشق [ ص: 278 ] في خلافة عبد الملك ، فحدث رجل من التابعين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اعبدوا ربكم ، ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الأمراء ، فإن كان خيرا فلكم ، وإن كان شرا فعليهم ، وأنتم منه براء .

قال الشعبي : كذبت لا طاعة في معصية ، إنما الطاعة في المعروف .

وأما قوله : في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، فمعناه فيما تقدر عليه ، وإن شق علينا ، أو يسر بنا ، وفيما نحبه وننشط له ، وفيما نكرهه ويثقل علينا ، وعلى هذا المعنى جاء حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .

حدثنا أحمد بن قاسم ، ومحمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على المرء السمع والطاعة ، فيما أحب أو كره .

وروى عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر قال : قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية : إن كان خيرا رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا .

وأما قوله : وأن لا ننازع الأمر أهله ، فاختلف الناس في ذلك ، فقال قائلون : أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين ، فهؤلاء لا ينازعون [ ص: 279 ] لأنهم أهله ، وأما أهل الجور والفسق ، والظلم ، فليسوا له بأهل ; ألا ترى إلى قول الله - عز وجل - لإبراهيم - عليه السلام - قال ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ، وإلى منازعة الظالم الجائر ، ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج . وأما أهل الحق ، وهم أهل السنة ، فقالوا : هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا ، فإن لم يكن ، فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه ; لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء ، وشن الغارات ، والفساد في الأرض ، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه ، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك ، وكل إمام يقيم الجمعة ، والعيد ، ويجاهد العدو ، ويقيم الحدود على أهل العداء ، وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض ، وتسكن له الدهماء ، وتأمن به السبل ، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح .

حدثني خلف بن أحمد ، حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا أيوب بن سليمان ، ومحمد بن عمر قالا : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من ينتضل [ ص: 280 ] ومنا من يصلح جناه ، ومنا من هو في جشره ، إذ نادى منادي النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة جامعة ، فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يقول : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان لله عليه حق أن يدل أمته على الذي هو خير لهم ، وينذرهم الذي هو شر لهم ، وأن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها ، وفتن مرفق بعضها بعضا ، تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، ثم تجيء أخرى ، فيقول : هذه هذه ، ثم تنكشف ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يمينه ، وثمرة قلبه ، فليطعه ما استطاع ، فإن جاء أحد ينازعه ، فاضربوا عنق الآخر . قال عبد الرحمن : فخرجت في الناس ، فقلت : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمعته أذناي ، ووعاه قلبي قلت : إن هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله يقول : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، ( ولا تقتلوا أنفسكم ) قال : فضرب بيده على جبهته ، وأكب طويلا ، ثم قال : أطعه فيما أطاع الله ، واعصه فيما عصى الله .

[ ص: 281 ] قال أبو عمر :

قوله في هذا الحديث : ومنا من ينتضل ، فإنه يريد الرمي إلى الأغراض ، وقوله : ومنا من هو في جشره : يريد أنه خرج في إبله يرعاها .

حدثنا أحمد بن فتح ، وعبد الرحمن بن يحيى قالا : حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال : حدثنا أبو محمد إسحاق بن بنان بن معن الأنماطي البغدادي قال : حدثنا الحسن بن حماد حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم ، وعبد القطيفة ، وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي ، وإن لم يعط لم يف .

وأما قوله : وأن نقوم أو نقول بالحق - فالشك من المحدث إما يحيى بن سعيد ، وإما مالك ، فإنه لم يختلف عن مالك في ذلك ، وفي ذلك دليل على الإتيان بالألفاظ ومراعاتها ، وقد بينا هذا المعنى في كتاب العلم .

وأما قوله : لا نخاف في الله لومة لائم ، فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه ، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى ، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده ، فإن لم يقدر ، فبلسانه ، فإن لم يقدر ، فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك ، وإذا أنكره بقلبه ، فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع [ ص: 282 ] سوى ذلك ، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأكيد الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، ولكنها كلها مقيدة بالاستطاعة .

قال أبو ذر : أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول الحق ، وإن كان مرا ، وأن لا أخاف في الله لومة لائم .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : فضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان .

وقال الله - عز وجل - ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) ، ولما وجبت مجاهدة الكفار حتى يظهر دين الحق ، فكذلك كل من عاند الحق من أهل الباطل واجب مجاهدته على من قدر عليه حتى يظهر الحق .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن الشعبي ، عن أبي جحيفة ، قال : قال علي : الجهاد بثلاثة : باليد ، واللسان ، والقلب ، فأولها اليد ، ثم اللسان ، ثم القلب ، فإذا كان لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ، نكس فجعل أعلاه أسفله .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ؟ قال : إن خشيت أن يقتلك فلا .

[ ص: 283 ] أخبرنا أحمد بن قاسم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا نصر بن علي ، قال : أخبرنا الأصمعي ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن قال : إنما يكلم مؤمن يرجى ، أو جاهل يعلم ، فأما من وضع سيفه أو سوطه ، وقال لك : اتقني اتقني ، فما لك وله .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب ، عن مطرف بن الشخير أنه كان يقول : لئن لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه مائة ألف سيف أرمي إليه كلمة فيقتلني ، إن ديني إذا لضيق .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، وحدثنا أحمد ، حدثنا أحمد ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة - جميعا - عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : جاء عتريس بن عرقوب إلى عبد الله ، فقال : هلك من لم يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فقال عبد الله : بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه ، وينكر المنكر بقلبه .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن [ ص: 284 ] عبد الملك بن عمير قال : سمعت ربيع بن عميلة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود ، يقول : حسب المومن إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا عبد الله بن أبي حسان ، عن ابن لهيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لمومن أن يذل نفسه . قالوا : يا رسول الله ، وما إذلاله نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يقوم له .

وقد زدنا هذا المعنى بيانا بالآثار في باب بلاغ مالك عن أم سلمة قولها : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ، وأشبعناه هناك ، والحمد لله ، وبه التوفيق .




الخدمات العلمية