الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الفصل الثاني )

                          ( أفعال الله في تصرفه وتدبيره لأمور خلقه بمقتضى سننه ، لا يجعلهم مجبرين بقدرته )

                          قال تعالى : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ) ( 9 : 14 ) الآية .

                          يتوهم أهل الجبر أنها تدل على نحلتهم ، ويرده أنه تعالى أمرهم بقتال المشركين ، ولو كانوا مجبرين لكان أمرهم لغوا وعبثا . وقوله : ( يعذبهم الله بأيديكم ) معناه يعذبهم بتمكين أيديكم من رقابهم قتلا ، ومن صدورهم ونحورهم طعنا ، ويؤكده الوعد بعده بنصرهم وفي معناه [ ص: 82 ] قوله : ( ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ) ( 9 : 52 ) .

                          وقال تعالى في آية ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 9 : 19 ) وقال في آيتي 24 و 80 : ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . وقال : ( والله لا يهدي القوم الكافرين ) ( 9 : 37 ) وليس معنى هذه الآيات أن الله تعالى منعهم من الهداية بقدرته فصاروا عاجزين عنها ومجبرين على الفسق والظلم والكفر إجبارا ، وإنما معناها ما بيناه في تفسيرها وهو : أن هذه الصفات التي رسخت في أنفسهم بكسبهم منافية لهدى الله تعالى الذي بعث به رسله بحسب سنته تعالى في الأسباب والمسببات راجع ( ص 197 و 211 و 363 و 489 في ج 10 ط الهيئة ) ويقابله قوله تعالى قبل الآية الأولى من هذه الآيات فيمن ترجى لهم الهداية بحسب سنن الله تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) ( 9 : 18 ) .

                          ويدخل في هذا الباب من بيان السنن وطبائع البشر قوله في خوالف المنافقين : ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) ( 9 : 87 ) ثم قوله فيهم : ( وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) ( 9 : 93 ) فهو بيان لسنة الله في تأثير أعمالهم التي منها رضاهم بخطة الخسف والذل . وهو التخلف عن الجهاد - أن قلوبهم كالمطبوع عليها التي لا تفقه كنه حالها ولا تعلم سوء مآلها ( ص 509 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) وفي معناه قوله في الذين ينصرفون منهم متسللين من مجلس القرآن : ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) ( 9 : 127 ) أي بسبب أنهم قوم فقدوا صفة الفقاهة الفطرية ، وفهم الحقائق وما يترتب عليها من الأعمال ; لعدم استعمال عقولهم فيها إلى آخر ما فصلناه في تفسيرها ( في أول هذا الجزء ) .

                          وبهذه المرآة ترى حقيقة المراد من قوله تعالى فيهم : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ) ( 9 : 46 ) وراجعه ( في ص 407 ج 10 ط الهيئة ) وقوله ( نسوا الله فنسيهم ) ( 9 : 67 ) وراجعه في ( ص 460 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية