الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو جعفر الترمذي : حدثني أبو الفضل الواشجردي سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال : سألت يحيى بن أكثم ، عن أبي عبيد والشافعي ، أيهما أعلم ؟ قال : أبو عبيد كان يأتينا هاهنا كثيرا ، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب ، كان حسن التصنيف من الكتب ، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية ، وأما الشافعي ، فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة ، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن ، صافي العقل والفهم والدماغ ، سريع الإصابة -أو كلمة نحوها- ولو كان أكثر سماعا للحديث ، لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء .

                                                                                      قال معمر بن شبيب : سمعت المأمون يقول : قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء ، فوجدته كاملا .

                                                                                      قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي : سمعت أبي وعمي يقولان : كان سفيان ابن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا ، التفت إلى الشافعي ، فيقول : سلوا هذا .

                                                                                      وقال تميم بن عبد الله : سمعت سويد بن سعيد يقول : كنت عند سفيان ، فجاء الشافعي ، فسلم ، وجلس ، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا ، [ ص: 18 ] فغشي على الشافعي ، فقيل : يا أبا محمد ، مات محمد بن إدريس فقال ابن عيينة : إن كان مات ، فقد مات أفضل أهل زمانه .

                                                                                      الحاكم : سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان ، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي ، سمعت الربيع ، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن ؟ فقال : أف أف ، القرآن كلام الله ، من قال : مخلوق ، فقد كفر .

                                                                                      هذا إسناد صحيح .

                                                                                      أبو داود وأبو حاتم ، عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول : ما ارتدى أحد بالكلام ، فأفلح .

                                                                                      محمد بن يحيى بن آدم : حدثنا ابن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : لو علم الناس ما في الكلام والأهواء ، لفروا منه كما يفرون من الأسد .

                                                                                      الزبير بن عبد الواحد : أخبرني علي بن محمد بمصر ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم ، فيقال : أخطأ العالم خير له [ ص: 19 ] من أن يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله .

                                                                                      قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع .

                                                                                      الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : من حلف باسم من أسماء الله فحنث ، فعليه الكفارة ؛ لأن اسم الله غير مخلوق ، ومن حلف بالكعبة ، وبالصفا والمروة ، فليس عليه كفارة ؛ لأنه مخلوق ، وذاك غير مخلوق . [ ص: 20 ]

                                                                                      وقال أبو حاتم : حدثنا حرملة ، سمعت الشافعي يقول : الحلفاء خمسة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                      قال الحارث بن سريج : سمعت يحيى القطان يقول : أنا أدعو الله للشافعي ، أخصه به .

                                                                                      وقال أبو بكر بن خلاد : أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي .

                                                                                      الحسين بن علي الكرابيسي قال : قال الشافعي : كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد ، وما سواه ، فهو هذيان .

                                                                                      ابن خزيمة ، وجماعة قالوا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى : قال الشافعي : لا يقال : لم للأصل ، ولا كيف .

                                                                                      ‎وعن يونس ، سمع الشافعي يقول : الأصل : القرآن ، والسنة ، وقياس عليهما ، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد . [ ص: 21 ]

                                                                                      ابن أبي حاتم : سمعت يونس يقول : قال الشافعي : الأصل قرآن أو سنة ، فإن لم يكن فقياس عليهما ، وإذا صح الحديث فهو سنة ، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد ، والحديث على ظاهره ، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره ، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب وكلا رأيته استعمل الحديث المنفرد ، استعمل أهل المدينة [ ص: 22 ] في التفليس قوله -عليه السلام- : إذا أدرك الرجل ماله بعينه ، فهو أحق به واستعمل أهل العراق حديث العمرى . [ ص: 23 ]

                                                                                      ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع ، سمعت الشافعي يقول : قراءة الحديث خير من صلاة التطوع ، وقال : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .

                                                                                      ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، قلت للشافعي : صاحبنا الليث يقول : لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته . قال : قصر ، لو رأيته يمشي في الهواء لما قبلته .

                                                                                      قال الربيع : سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث : أنتم الصيادلة ، ونحن الأطباء .

                                                                                      زكريا الساجي : حدثني أحمد بن مردك الرازي ، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول : كنا عند الشافعي في مجلسه ، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكتبناه ، وذهبنا به إلى إبراهيم بن [ ص: 24 ] علية ، وكان من غلمان أبي بكر الأصم ، وكان في مجلسه عند باب الصوفي ، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله ، فكتبنا ما قال ، وذهبنا به إلى الشافعي ، فنقضه ، وتكلم بإبطاله ، ثم كتبناه ، وجئنا به إلى ابن علية ، فنقضه ، ثم جئنا به إلى الشافعي ، فقال : إن ابن علية ضال ، قد جلس بباب الضوال يضل الناس .

                                                                                      قلت : كان إبراهيم من كبار الجهمية ، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام .

                                                                                      المزني : سمعت الشافعي يقول : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن تكلم في الفقه نما قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن لم يصن نفسه ، لم ينفعه علمه .

                                                                                      إبراهيم بن متويه الأصبهاني : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : قال الشافعي : كل حديث جاء من العراق ، وليس له أصل في الحجاز ، فلا تقبله ، وإن كان صحيحا ، ما أريد إلا نصيحتك .

                                                                                      قلت : ثم إن الشافعي رجع عن هذا ، وصحح ما ثبت إسناده لهم . [ ص: 25 ]

                                                                                      ويروى عنه : إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز ضعف ، أو قال : ذهب نخاعه .

                                                                                      أخبرنا إبراهيم بن علي العابد في كتابه ، أخبرنا زكريا العلبي وجماعة ، قالوا : أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي ، قال : أفادني يعقوب ، وكتبته من خطه ، أخبرنا أبو علي الخالدي ، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني ، سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي ، سمعت المزني يقول : كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي ، فلما قدم أتيته ، فسألته عن مسألة من الكلام ، فقال لي : تدري أين أنت ؟ قلت : نعم ، في مسجد الفسطاط . قال لي : أنت في تاران -قال عثمان : وتاران موضع في بحر القلزم لا تكاد تسلم [ ص: 26 ] منه سفينة- ثم ألقى علي مسألة في الفقه ، فأجبت ، فأدخل شيئا أفسد جوابي ، فأجبت بغير ذلك ، فأدخل شيئا أفسد جوابي ، فجعلت كلما أجبت بشيء ، أفسده ، ثم قال لي : هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس ، يدخله مثل هذا ، فكيف الكلام في رب العالمين ، الذي فيه الزلل كثير ؟ فتركت الكلام ، وأقبلت على الفقه .

                                                                                      عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت محمد بن داود يقول : لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء ، ولا نسب إليه ، ولا عرف به ، مع بغضه لأهل الكلام والبدع .

                                                                                      وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، قال : كان الشافعي ، إذا ثبت عنده الخبر ، قلده ، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام ، إنما همته الفقه .

                                                                                      وقال أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي ، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول : جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام ، فقال : إني أكره هذا ، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي ، لقد سمعت الشافعي يقول : سئل مالك عن الكلام والتوحيد ، فقال : محال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علم أمته الاستنجاء ، ولم يعلمهم التوحيد ، والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد . [ ص: 27 ]

                                                                                      زكريا الساجي : سمعت محمد بن إسماعيل ، سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول : شهدت الشافعي ، ودخل عليه بشر المريسي ، فقال لبشر : أخبرني عما تدعو إليه ، أكتاب ناطق ، وفرض مفترض ، وسنة قائمة ، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال ؟ فقال بشر : لا ، إلا أنه لا يسعنا خلافه ، فقال الشافعي : أقررت بنفسك على الخطأ ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار ، يواليك الناس وتترك هذا ؟ قال : لنا نهمة فيه . فلما خرج بشر ، قال الشافعي : لا يفلح .

                                                                                      أبو ثور والربيع : سمعا الشافعي يقول : ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح . [ ص: 28 ]

                                                                                      قال الحسين بن إسماعيل المحاملي : قال المزني : سألت الشافعي عن مسألة من الكلام ، فقال : سلني عن شيء ، إذا أخطأت فيه ، قلت : أخطأت ، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه ، قلت : كفرت .

                                                                                      زكريا الساجي : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : قال لي الشافعي : يا محمد ، إن سألك رجل عن شيء من الكلام ، فلا تجبه ، فإنه إن سألك عن دية ، فقلت درهما ، أو دانقا ، قال لك : أخطأت ، وإن سألك عن شيء من الكلام ، فزللت ، قال لك : كفرت .

                                                                                      قال الربيع : سمعت الشافعي يقول : المراء في الدين يقسي القلب ، ويورث الضغائن .

                                                                                      وقال صالح جزرة : سمعت الربيع يقول : قال الشافعي : يا ربيع ، اقبل مني ثلاثة : لا تخوضن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدا ، ولا تشتغل بالكلام ، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل . وزاد المزني : ولا تشتغل بالنجوم .

                                                                                      وعن حسين الكرابيسي قال : سئل الشافعي عن شيء من الكلام ، [ ص: 29 ] فغضب ، وقال : سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله .

                                                                                      الأصم : سمعت الربيع ، سمعت الشافعي يقول : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إلي منه شيء .

                                                                                      وعن الشافعي : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ .

                                                                                      الزعفراني وغيره : سمعنا الشافعي يقول : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر ، ينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على الكلام .

                                                                                      وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي : قال الشافعي : مذهبي في أهل الكلام تقنيع رءوسهم بالسياط ، وتشريدهم في البلاد .

                                                                                      قلت : لعل هذا متواتر عن الإمام .

                                                                                      الربيع : سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحدا على الغلبة إلا على الحق عندي .

                                                                                      والزعفراني عنه : ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة .

                                                                                      زكريا الساجي : حدثنا أحمد بن العباس النسائي ، سمعت [ ص: 30 ] الزعفراني ، سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة ، وأنا أستغفر الله من ذلك .

                                                                                      سعيد بن أحمد اللخمي : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، سمعت الشافعي يقول : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم غير المسمى ، والشيء غير المشيء ، فاشهد عليه بالزندقة .

                                                                                      سعيد مصري لا أعرفه .

                                                                                      ويروى عن الربيع : سمعت الشافعي يقول في كتاب " الوصايا " : لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر ، وكان فيها كتب الكلام ، لم تدخل في الوصية ؛ لأنه ليس من العلم .

                                                                                      وعن أبي ثور : قلت للشافعي : ضع في الإرجاء كتابا ، فقال : دع هذا . فكأنه ذم الكلام .

                                                                                      محمد بن إسحاق بن خزيمة : سمعت الربيع يقول : لما كلم الشافعي حفص الفرد ، فقال حفص : القرآن مخلوق . فقال له الشافعي : كفرت بالله العظيم .

                                                                                      قال المزني : كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام . أبو حاتم الرازي : حدثنا يونس ، سمعت الشافعي يقول : قالت لي أم المريسي : كلم بشرا أن يكف عن الكلام ، فكلمته ، فدعاني إلى الكلام . [ ص: 31 ]

                                                                                      الساجي : حدثنا إبراهيم بن زياد الأبلي ، سمعت البويطي يقول : سألت الشافعي : أصلي خلف الرافضي ؟ قال : لا تصل خلف الرافضي ، ولا القدري ، ولا المرجئ . قلت : صفهم لنا . قال : من قال : الإيمان قول ، فهو مرجئ ، ومن قال : إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين ، فهو رافضي ، ومن جعل المشيئة إلى نفسه ، فهو قدري .

                                                                                      ابن أبي حاتم : سمعت الربيع ، قال لي الشافعي : لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت ، ولكن ليس الكلام من شأني ، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء .

                                                                                      قلت : هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية