[ ص: 145 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28987_30532هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون
استئناف بياني ناشئ عن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قد مكر الذين من قبلهم ; لأنها تثير سؤال من يسأل عن إبان حلول العذاب على هؤلاء كما حل بالذين من قبلهم ، فقيل : ما ينظرون إلا أحد أمرين هما مجيء الملائكة لقبض أرواحهم فيحق عليهم الوعيد المتقدم ، أو أن يأتي أمر الله ، والمراد به الاستئصال المعرض بالتهديد في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد .
والاستفهام إنكاري في معنى النفي ; ولذلك جاء بعده الاستثناء .
و ( ينظرون ) هنا بمعنى الانتظار وهو النظرة ، والكلام موجه إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - تذكيرا بتحقيق الوعيد وعدم استبطائه ، وتعريضا بالمشركين بالتحذير من اغترارهم بتأخر الوعيد ، وحثا لهم على المبادرة بالإيمان .
وإسناد الانتظار المذكور إليهم على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيلهم منزلة من ينتظر أحد الأمرين ; لأن حالهم من الإعراض عن الوعيد وعدم التفكر في دلائل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ظهور تلك الدلائل وإفادتها التحقق كحال من أيقن حلول أحد الأمرين به فهو يترقب أحدهما ، كما تقول لمن لا يأخذ حذره من العدو : ما تترقب إلا أن تقع أسيرا ، ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ، وهذا قريب من تأكيد الشيء بما يشبه ضده وما هو بذلك .
[ ص: 146 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35كذلك فعل الذين من قبلهم تنظير بأحوال الأمم الماضية تحقيقا للغرضين .
والإشارة إلى الانتظار المأخوذ من ( ينظرون ) المراد منه الإعراض والإبطاء ، أي كإبطائهم فعل الذين من قبلهم ، أن يأخذهم العذاب بغتة كما أخذ الذين من قبلهم ، وهذا التحذير لهم وقد رفع الله عذاب الاستئصال عن أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - ببركته ولإرادته انتشار دينه .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35الذين من قبلهم هم المذكورون في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قد مكر الذين من قبلهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون معترضة بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35كذلك فعل الذين من قبلهم وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فأصابهم سيئات ما عملوا .
ووجه هذا الاعتراض أن التعرض إلى ما فعله الذين من قبلهم يشير إلى ما كان من عاقبتهم ، وهو استئصالهم ، فعقب بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33وما ظلمهم الله ، أي فيما أصابهم .
ولما كان هذا الاعتراض مشتملا على أنهم ظلموا أنفسهم صار تفريع
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فأصابهم سيئات ما عملوا عليه أو على ما قبله ، وهو أسلوب من نظم الكلام عزيز ، وتقدير أصله : كذلك فعل الذين من قبلهم وظلموا أنفسهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله ، ففي تغيير الأسلوب المتعارف تشويق إلى الخبر ، وتهويل له بأنه ظلم أنفسهم ، وأن الله لم يظلمهم ، فيترقب السامع خبرا مفظعا ، وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فأصابهم سيئات ما عملوا .
وإصابة السيئات إما بتقدير مضاف ، أي أصابهم جزاؤها ، أو جعلت أعمالهم السيئة كأنها هي التي أصابتهم ; لأنها سبب ما أصابهم ، فهو مجاز عقلي .
وحاق : أحاط ، والحيق : الإحاطة ، ثم خص الاستعمال الحيق بإحاطة الشر ، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=10فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون في أوائل سورة الأنعام .
[ ص: 147 ] و ( ما ) موصولة ، ماصدقها العذاب المتوعدون به ، والباء في ( به ) للسببية ، وهو ظرف مستقر هو صفة لمفعول مطلق ، والتقدير : الذي يستهزئون استهزاء بسببه ، أي بسبب تكذيبهم وقوعه ، وهذا استعمال في مثله ، وقد تكرر في القرآن ، من ذلك ما في سورة الأحقاف ، وليست الباء لتعدية فعل يستهزئون ، وقدم المجرور على عامل موصوفه للرعاية على الفاصلة .
[ ص: 145 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28987_30532هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَاشِئٌ عَنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ; لِأَنَّهَا تُثِيرُ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ إِبَّانِ حُلُولِ الْعَذَابِ عَلَى هَؤُلَاءِ كَمَا حَلَّ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَقِيلَ : مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا أَحَدَ أَمْرَيْنِ هُمَا مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ لَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ فَيَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ الْمُتَقَدِّمُ ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِئْصَالُ الْمُعَرَّضُ بِالتَّهْدِيدِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ ; وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ .
وَ ( يَنْظُرُونَ ) هُنَا بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَهُوَ النِّظَرَةُ ، وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَذْكِيرًا بِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ اسْتِبْطَائِهِ ، وَتَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ اغْتِرَارِهِمْ بِتَأَخُّرِ الْوَعِيدِ ، وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِيمَانِ .
وَإِسْنَادُ الِانْتِظَارِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِمْ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَنْتَظِرُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ ; لِأَنَّ حَالَهُمْ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ التَّفَكُّرِ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ ظُهُورِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ وَإِفَادَتِهَا التَّحَقُّقَ كَحَالِ مَنْ أَيْقَنَ حُلُولَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِهِ فَهُوَ يَتَرَقَّبُ أَحَدَهُمَا ، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ لَا يَأْخُذُ حَذَرَهُ مِنَ الْعَدُوِّ : مَا تَتَرَقَّبُ إِلَّا أَنْ تَقَعَ أَسِيرًا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ وَمَا هُوَ بِذَلِكَ .
[ ص: 146 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تَنْظِيرٌ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ تَحْقِيقًا لِلْغَرَضَيْنِ .
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الِانْتِظَارِ الْمَأْخُوذِ مِنْ ( يَنْظُرُونَ ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ وَالْإِبْطَاءُ ، أَيْ كَإِبْطَائِهِمْ فِعْلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، أَنْ يَأْخُذَهُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً كَمَا أَخَذَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَهَذَا التَّحْذِيرُ لَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَرَكَتِهِ وَلِإِرَادَتِهِ انْتِشَارَ دِينِهِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا .
وَوَجْهُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ التَّعَرُّضَ إِلَى مَا فَعَلَهُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ عَاقِبَتِهِمْ ، وَهُوَ اسْتِئْصَالُهُمْ ، فَعُقِّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ، أَيْ فِيمَا أَصَابَهُمْ .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ مُشْتَمِلًا عَلَى أَنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ صَارَ تَفْرِيعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ عَزِيزٌ ، وَتَقْدِيرُ أَصْلِهِ : كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ، فَفِي تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ الْمُتَعَارَفِ تَشْوِيقٌ إِلَى الْخَبَرِ ، وَتَهْوِيلٌ لَهُ بِأَنَّهُ ظُلْمُ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ ، فَيَتَرَقَّبُ السَّامِعُ خَبَرًا مُفْظِعًا ، وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=34فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا .
وَإِصَابَةُ السَّيِّئَاتِ إِمَّا بِتَقْدِيرٍ مُضَافٍ ، أَيْ أَصَابَهُمْ جَزَاؤُهَا ، أَوْ جُعِلَتْ أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ ; لِأَنَّهَا سَبَبُ مَا أَصَابَهُمْ ، فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ .
وَحَاقَ : أَحَاطَ ، وَالْحَيْقُ : الْإِحَاطَةُ ، ثُمَّ خَصَّ الِاسْتِعْمَالُ الْحَيْقَ بِإِحَاطَةِ الشَّرِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=10فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
[ ص: 147 ] وَ ( مَا ) مَوْصُولَةٌ ، مَاصَدَقُهَا الْعَذَابُ الْمُتَوَعَّدُونَ بِهِ ، وَالْبَاءُ فِي ( بِهِ ) لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : الَّذِي يَسْتَهْزِئُونَ اسْتِهْزَاءً بِسَبَبِهِ ، أَيْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ وُقُوعَهُ ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ فِي مِثْلِهِ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ، مِنْ ذَلِكَ مَا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ ، وَلَيْسَتِ الْبَاءُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ يَسْتَهْزِئُونَ ، وَقُدِّمَ الْمَجْرُورُ عَلَى عَامِلِ مَوْصُوفِهِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ .