الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ ابن أم مكتوم ، ونزول سورة عبس ]

            ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ، وقد طمع في إسلامه ، فبينا هو في ذلك ، إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره ، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد ، وما طمع فيه من إسلامه . فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه . فأنزل الله تعالى فيه : عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى : في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه . ولا تتصدين به لمن لا يريده .

            قال ابن هشام : ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، واسمه عبد الله ، ويقال : عمرو . قال السهيلي : وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة التنبيه على موضع العتب لأنه قال : أن جاءه الأعمى فذكر المجيء مع العمى ، وذلك كله ينبئ عن تجشم كلفة ومن تجشم القصد إليك على ضعفه فحقك الإقبال عليه لا الإعراض عنه .

            وفائدة أخرى : وهي تعليق الحكم بهذه الصفة متى وجدت وجب ترك الإعراض ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معتوبا على توليه عن الأعمى فغيره أحق بالعتب .

            وما يدريك يعلمك لعله أي الأعمى أو الكافر يزكى فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أو يذكر أي يتعظ فتنفعه الذكرى العظة المسموعة منك . وفي قراءة بنصب تنفعه جواب الترجي .

            أما من استغنى بالمال . فأنت له تصدى . وفي قراءة بتشديد الصاد وبإدغام الثانية في الأصل فيها ، أي تقبل وتتعرض ، وما عليك ألا يزكى يؤمن وأما من جاءك يسعى حال من فاعل جاء ، وهو يخشى الله حال من فاعل يسعى وهو الأعمى . فأنت عنه تلهى فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل ، كلا لا تفعل مثل ذلك .

            فلما نزلت هذه الآيات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأكرمه ، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة كما ذكره أبو عمر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية