الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ بدء قتال المشركين ]



            فلما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وأيده الله بنصره بعباده المؤمنين الأنصار ، وألف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم ، فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام من الأسود والأحمر ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء والأبناء والأزواج ، وكان أولى بهم من أنفسهم ، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة ، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة ، وصاحوا بهم من كل جانب ، والله سبحانه يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة ، واشتد الجناح ، فأذن لهم حينئذ في القتال ، ولم يفرضه عليهم ، فقال تعالى : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) [ الحج : 39 ] .

            وقد قالت طائفة : إن هذا الإذن كان بمكة ، والسورة مكية ، وهذا غلط لوجوه :

            أحدها : أن الله لم يأذن بمكة لهم في القتال ، ولا كان لهم شوكة يتمكنون بها من القتال بمكة .

            الثاني : أن سياق الآية يدل على أن الإذن بعد الهجرة وإخراجهم من ديارهم فإنه قال : ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) [ الحج : 40 ] وهؤلاء هم المهاجرون .

            الثالث : قوله تعالى : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) [ الحج : 19 ] نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر من الفريقين .

            الرابع : أنه قد خاطبهم في آخرها بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا ) والخطاب بذلك كله مدني ، فأما الخطاب ( ياأيها الناس ) فمشترك .

            الخامس : أنه أمر فيها بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد وغيره ، ولا ريب أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة ، فأما جهاد الحجة فأمر به في مكة بقوله : ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به ) أي : بالقرآن ( جهادا كبيرا ) [ الفرقان : 52 ] فهذه سورة مكية ، والجهاد فيها هو التبليغ ، وجهاد الحجة ، وأما الجهاد المأمور به في ( سورة الحج فيدخل فيه الجهاد بالسيف .

            السادس : أن الحاكم روى في " مستدركه " من حديث الأعمش عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن فأنزل الله عز وجل : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) [ الحج : 39 ] وهي أول آية نزلت في القتال . وإسناده على شرط " الصحيحين " وسياق السورة يدل على أن فيها المكي والمدني ، فإن قصة إلقاء الشيطان في أمنية الرسول مكية ، والله أعلم .

            وقال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه ، قام فيما أمره الله به من جهاد عدوه ، وقتال من أمره الله به ممن يليه من المشركين ، مشركي العرب ، وذلك بعد أن بعثه الله تعالى بثلاث عشرة سنة .

            تاريخ الهجرة

            وبالإسناد المتقدم عن عبد الملك بن هشام ، قال : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين ، حين اشتد الضحاء ، وكادت الشمس تعتدل ، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ، وهو التاريخ ، ( فيما ) قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة ، وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة ، فأقام بها بقية شهر ربيع الأول ، وشهر ربيع الآخر ، وجماديين ، ورجبا ، وشعبان ، وشهر رمضان ، وشوالا ، وذا القعدة ، وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون - والمحرم ، ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة .

            قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سعد بن عبادة . اختلاف الناس في عدد المغازي التي غزا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة ، وفي كم قاتل فيها قال ابن إسحاق أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ، ثم بواط ، ثم العشيرة . ثم روى عن زيد بن أرقم ، أنه سئل : كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : تسع عشرة . شهد منها سبع عشرة ، أولهن العسيرة أو العشيرة وقال الحسين بن واقد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة ، وقاتل في ثمان ، يوم بدر ، وأحد والأحزاب ، والمريسيع ، وقديد ، وخيبر ، ومكة ، وحنين ، وبعث أربعا وعشرين سرية . وقد روى الطبراني عن الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة . وقال عبد بن حميد في " مسنده " : حدثنا سعيد بن سلام ، ثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا أبو الزبير ، عن جابر ، قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة .

            وقد روى الحاكم من طريق هشام ، عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين . ثم قال الحاكم : لعله أراد السرايا دون الغزوات ، فقد ذكرت في " الإكليل " ، على الترتيب ، بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة . قال : وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب نيفا وسبعين . وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا وحمله كلام قتادة على ما قال ، فيه نظر .

            وقد روى الإمام أحمد ، عن أزهر بن القاسم الراسبي ، عن هشام الدستوائي ، عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون ، أربع وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة خرج في ثمان منها بنفسه ، بدر ، وأحد ، والأحزاب ، والمريسيع ، وقديد ، وخيبر ، وفتح مكة ، وحنين .

            وقال موسى بن عقبة ، عن الزهري : هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها ، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث ، ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الأحزاب وبني قريظة - في شوال من سنة أربع ، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان من سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست ، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان ، ثم قاتل يوم حنين ، وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان ، ثم حج أبو بكر سنة تسع ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر ، وغزا ثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال ، وكانت أول غزوة غزاها الأبواء .

            سرد أسماء الغزوات ، وهي غزوة الأبواء ، ويقال لها : ودان ، ثم غزوة بواط ، ثم غزوة سفوان ، وهي بدر الأولى لطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة العشيرة ، ثم غزوة بدر الكبرى ، ثم غزوة بني سليم بالكدر ، ويقال لها : قرقرة الكدر ، ثم غزوة السويق ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ثم غزوة الفرع ، من بحران بالحجاز ، ثم غزوة بني قينقاع ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة بدر الأخيرة ، وهي غزوة بدر الموعد ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة بني المصطلق وهي المريسيع ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان ، ثم غزوة الحديبية ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة ، ثم غزوة عمرة القضاء ، ثم غزوة فتح مكة ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك ، . ذكر جملة السرايا والبعوث

            وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية : غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ؛ وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبد الله بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ذا القصة ، من طريق العراق ، وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث ، الكديد ، فأصاب بني الملوح .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية