الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ شعر لابن الزبعرى ]

            قال ابن إسحاق : وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أحد :


            يا غراب البين أسمعت فقل إنما تنطق شيئا قد فعل     إن للخير وللشر مدى
            وكلا ذلك وجه وقبل     والعطيات خساس بينهم
            وسواء قبر مثر ومقل     كل عيش ونعيم زائل
            وبنات الدهر يلعبن بكل     أبلغن حسان عني آية
            فقريض الشعر يشفي ذا الغلل     كم ترى بالجر من جمجمة
            وأكف قد أترت ورجل     وسرابيل حسان سريت
            عن كماة أهلكوا في المنتزل     كم قتلنا من كريم سيد
            ماجد الجدين مقدام بطل     صادق النجدة قرم بارع
            غير ملتاث لدى وقع الأسل     فسل المهراس من ساكنه ؟
            بين أقحاف وهام كالحجل     ليت أشياخي ببدر شهدوا
            جزع الخزرج من وقع الأسل     حين حكت بقباء بركها
            واستحر القتل في عبد الأشهل     ثم خفوا عن ذاكم رقصا
            رقص الحفان يعلو في الجبل     فقتلنا الضعف من أشرافهم
            وعدلنا ميل بدر فاعتدل     لا ألوم النفس إلا أننا
            لو كررنا لفعلنا المفتعل     بسيوف الهند تعلو هامهم
            عللا تعلوهم بعد نهل

            [ رد حسان على ابن الزبعرى ]

            فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه ، قال :


            ذهبت يا بن الزبعرى وقعة     كان منا الفضل فيها لو عدل
            ولقد نلتم ونلنا منكم     وكذاك الحرب أحيانا دول
            نضع الأسياف في أكتافكم     حيث نهوى عللا بعد نهل
            نخرج الأضياح من أستاهكم     كسلاح النيب يأكلن العصل
            إذ تولون على أعقابكم     هربا في الشعب أشباه الرسل
            إذ شددنا شدة صادقة     فأجأناكم إلى سفح الجبل
            بخناطيل كأشداف الملا     من يلاقوه من الناس يهل
            ضاق عنا الشعب إذ نجزعه     وملأنا الفرط منه والرجل
            برجال لستم أمثالهم     أيدوا جبريل نصرا فنزل
            وعلونا يوم بدر بالتقى طاعة     الله وتصديق الرسل
            وقتلنا كل رأس منهم     وقتلنا كل جحجاح رفل
            وتركنا في قريش عورة     يوم بدر وأحاديث المثل
            ورسول الله حقا شاهد     يوم بدر والتنابيل الهبل
            في قريش من جموع جمعوا     مثل ما يجمع في الخصب الهمل
            نحن لا أمثالكم ولد استها     نحضر الناس إذا البأس نزل



            قال ابن هشام : وأنشدني أبو زيد الأنصاري : وأحاديث المثل والبيت الذي قبله . وقوله : في قريش من جموع جمعوا عن غير ابن إسحاق . ومما ذكره الأموي لحسان بن ثابت أنه قال في غزوة أحد : - فالله أعلم -


            طاوعوا الشيطان إذ أخزاهم     فاستبان الخزي فيهم والفشل
            حين صاحوا صيحة واحدة     مع أبي سفيان قالوا اعل هبل
            فأجبناهم جميعا كلنا     ربنا الرحمن أعلى وأجل
            اثبتوا نسقيكموها مرة     من حياض الموت والموت نهل
            واعلموا أنا إذا ما نضجت     عن حيال الموت قدر تشتعل

            وكأن هذه الأبيات قطعة من جوابه لعبد الله بن الزبعرى . والله أعلم . [ شعر ابن الزبعرى في يوم أحد ]

            قال ابن إسحاق : وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أحد ، يبكي القتلى


            ألا ذرفت من مقلتيك دموع     وقد بان من حبل الشباب قطوع
            وشط بمن تهوى المزار وفرقت     نوى الحي دار بالحبيب فجوع
            وليس لما ولى على ذي حرارة     وإن طال تذراف الدموع رجوع
            فذر ذا ولكن هل أتى أم مالك     أحاديث قومي والحديث يشيع
            ومجنبنا جردا إلى أهل يثرب     عناجيج منها متلد ونزيع
            عشية سرنا في لهام يقودنا     ضرور الأعادي للصديق نفوع
            نشد علينا كل زغف كأنها     غدير بضوج الواديين نقييع
            فلما رأونا خالطتهم مهابة     وعاينهم أمر هناك فظيع
            وودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها     بهم وصبور القوم ثم جزوع
            وقد عريت بيض كأن وميضها     حريق ترقى في الآباء سريع
            بأيماننا نعلو بها كل هامة     ومنها سمام للعدو ذريع
            فغادرن قتلى الأوس غاصبة بهم     ضباع وطير يعتفين وقوع
            وجمع بني النجار في كل تلعة     بأبدانهم من وقعهن نجيع
            ولولا علو الشعب غادرن أحمدا     ولكن علا والسمهري شروع
            كما غادرت في الكر حمزة ثاويا     وفي صدره ماضي الشباة وقيع
            قد غادرن تحت لوائه     على لحمه طير يجفن وقوع
            بأحد وأرماح الكماة يردنهم     كما غال أشطان الدلاء نزوع

            [ شعر حسان في الرد على ابن الزبعرى ]

            فأجابه حسان بن ثابت ، فقال :


            أشاقك من أم الوليد ربوع     بلاقع ما من أهلهن جميع
            عفاهن صيفي الرياح وواكف     من الدلو رجاف السحاب هموع
            فلم يبق إلا موقد النار حوله     رواكد أمثال الحمام كنوع
            فدع ذكر دار بددت بين أهلها     نوى لمتينات الحبال قطوع
            وقل إن يكن يوم بأحد يعده     سفيه فإن الحق سوف يشيع
            فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم     وكان لهم ذكر هناك رفيع
            وحامى بنو النجار فيه وصابروا     وما كان منهم في اللقاء جزوع
            أمام رسول الله لا يخذلونه     لهم ناصر من ربهم وشفيع
            وفوا إذ كفرتم يا سخين     بربكم ولا يستوي عبد وفى ومضيع
            بأيديهم بيض إذا حمش الوغى     بد أن يردى لهن صريع
            كما غادرت في النقع عتبة ثاويا     وسعدا صريعا والوشيج شروع
            وقد غادرت تحت العناجة مسندا     أبيا وقد بل القميص نجيع
            يكف رسول الله حيث تنصبت     على القوم مما قد يثرن نقوع
            أولئك قوم سادة من فروعكم     وفي كل قوم سادة وفروع
            بهن نعز الله حتى يعزنا     وإن كان أمر يا سخين فظيع
            فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم     قتيل ثوى لله وهو مطيع
            فإن جنان الخلد منزلة له     وأمر الذي يقضي الأمور سريع
            وقتلاكم في النار أفضل رزقهم     حميم معا في جوفها وضريع

            وقال عبد الله بن الزبعرى يوم أحد :


            قتلنا ابن جحش فاغتبطنا بقتله     وحمزة في فرسانه وابن قوقل
            وأفلتنا منهم رجال فأسرعوا     فليتهم عاجوا ولم نتعجل
            أقاموا لنا حتى تعض سيوفنا     سراتهم وكلنا غير عزل
            وحتى يكون القتل فينا وفيهم     ويلقوا صبوحا شره غير منجلي



            قال ابن هشام : وقوله : وكلنا ، وقوله : ويلقوا صبوحا : عن غير ابن إسحاق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية