الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثالث:

                                1165 1223 - نا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، أنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: قال أبو هريرة: يقول الناس: أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلا فقلت: بم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- البارحة في العتمة؟ قال: لا أدري، فقلت: لم تشهدها؟ قال: بلى، فقلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا.

                                التالي السابق


                                مراد أبي هريرة - رضي الله عنه- أن يبين للناس امتيازه عن غيره بضبط أمور النبي - صلى الله عليه وسلم- واعتنائه بها، وحفظه لها، وإذا كان كذا لم يستبعد أن يكون قد حفظ ما لم يحفظه غيره.

                                وهذه الواقعة كانت جرت له في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحفظ قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- في صلاة العشاء، ولم يحفظها بعض من شهد العشاء معه، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

                                وظاهر السياق يقتضي أنه من حينئذ كان يقال: أكثر أبو هريرة ، وهو بعيد.

                                [ ص: 437 ] والظاهر - والله أعلم-: أنه إنما قيل ذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- حين أكثر أبو هريرة من الرواية عنه.

                                فاستدل أبو هريرة بحفظه ما لم يحفظه غيره بهذه القصة التي جرت له مع بعض الصحابة، حيث حفظ ما قرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم- في صلاة العشاء، ولم يحفظ ذلك غيره ممن صلى معه.

                                واعلم أن عدم حفظ المصلي لما قرأ به إمامه له حالتان:

                                إحداهما: أن يكون ذلك عقب انصرافه من الصلاة، فهذا إنما يكون غالبا من عدم حضور القلب في الصلاة، وغلبة الفكر والوساوس فيها.

                                وقد ذكرنا في " باب: القراءة في الصلاة"، عن أحمد ، أنه قال - فيمن صلى مع إمام، فلما خرج من الصلاة قيل له: ما قرأ الإمام؟ قال: لا أدري - قال: يعيد الصلاة.

                                وأن الأصحاب اختلفوا في وجهها على ثلاثة طرق لهم فيها.

                                وقد ورد حديث مرفوع، يستدل به على أن لا إعادة على من لم يحفظ ذلك:

                                فروى البزار في " مسنده"، عن عمرو بن علي : سمعت يحيى بن كثير ، قال: حدثنا الجريري ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوما بأصحابه، فقال: " كيف رأيتموني صليت؟ " قالوا: ما أحسن ما صليت، قال: " قد نسيت آية كيت وكيت، وإن من حسن صلاة المرء أن يحفظ قراءة الإمام".

                                [ ص: 438 ] الحالة الثانية: أن يكون ذلك بعد مضي مدة من الصلاة، فهذا يكون غالبا من النسيان بعد الحفظ، لا من سهو القلب في الصلاة، وهذا هو الذي أراده أبو هريرة بحديثه هذا.

                                وحينئذ; ففي تخريجه في الباب نظر; لأن الباب معقود لحديث النفس في الصلاة والوسوسة فيها، وهو ينقسم إلى المذموم - وهو حديث النفس بأمور الدنيا وتعلقاتها - وإلى محمود - وهو حديث النفس بأمور الآخرة وتعلقاتها - ومنه ما يرجع إلى ما فيه مصلحة المسلمين من أمور الدنيا، كما كان عمر يفعله.

                                وقد خرج البخاري في " أبواب الوضوء" حديث عثمان ، فيمن توضأ ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، وسبق الكلام عليه في موضعه.



                                الخدمات العلمية