الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ] قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون وقرأ علي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وابن السميفع : " يمشون " برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة : إنما نسبهم إليه لاصطفائه إياهم كقوله : ناقة الله [الأعراف : 73] ، ومعنى " هونا " مشيا رويدا ، ومنه يقال : أحبب حبيبك هونا ما . وقال مجاهد : يمشون بالوقار والسكينة . وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي : سدادا . وقال الحسن : لا يجهلون على أحد ، وإن جهل عليهم حلموا . وقال مقاتل بن حيان : " قالوا سلاما " أي : قولا يسلمون فيه من الإثم . وهذه الآية محكمة عند الأكثرين . وزعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار : ليس بيننا وبينكم غير السلام ، ثم نسخت بآية السيف .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 102 ] قوله تعالى: والذين يبيتون لربهم قال الزجاج : كل من أدركه الليل فقد بات ، نام أو لم ينم ; يقال : بات فلان قلقا ، إنما المبيت إدراك الليل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كان غراما فيه خمسة أقوال متقارب معانيها .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : دائما ، رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : موجعا ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : ملحا ، قاله ابن السائب ; وقال ابن جريج : لا يفارق . والرابع : هلاكا ، قاله أبو عبيدة . والخامس : أن الغرام في اللغة : أشد العذاب ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم النسار ويوم الجفا ر كانا عذابا وكانا غراما

                                                                                                                                                                                                                                      قاله الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ساءت مستقرا أي : بئس موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " يقتروا " مفتوحة الياء مكسورة التاء وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يقتروا " بفتح الياء وضم التاء . وقرأ نافع ، وابن عامر : " يقتروا " بضم الياء وكسر التاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى الكلام قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أن الإسراف : مجاوزة الحد في النفقة ، والإقتار : التقصير عما لا بد [ ص: 103 ] منه ، ويدل على هذا قول عمر بن الخطاب : كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : [أن] الإسراف : الإنفاق في معصية الله وإن قل ، والإقتار : منع حق الله تعالى ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج في آخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وكان يعني الإنفاق بين ذلك أي : بين الإسراف والإقتار قواما أي : عدلا ; قال ثعلب : القوام ، بفتح القاف : الاستقامة والعدل ، وبكسرها : ما يدوم عليه الأمر ويستقر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية