الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أغراضها

العماد الذي أقيمت عليه أغراض هذه السورة إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإثبات أن القرآن وحي من الله ، وإثبات فضله وفضل من أنزله ، وذكر أنه معجز ، ورد مطاعن المشركين فيه وفيمن جاء به ، وأنهم لم يفقهوه فلذلك أعرضوا عنه .

وإبطال إحالتهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى ، فافتتحت بمعجزة الإسراء توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام ، وشريعة موسى عليه السلام على عادة القرآن في ذكر المثل والنظائر الدينية ، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله .

وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت ، فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذي تداولته الرسل من قبل ، فلم يستأثرهم بالحلول [ ص: 8 ] بذلك المكان الذي هو مهبط الشريعة الموسوية ، ورمز أطوار تأريخ بني إسرائيل وأسلافهم ، والذي هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه في عهد إبراهيم كما سننبه عليه عند تفسير قوله تعالى إلى المسجد الأقصى ، فأحل الله به محمدا عليه الصلاة والسلام ، بعد أن هجر وخرب ; إيماء إلى أن أمته تجدد مجده .

وأن الله مكنه من حرمي النبوة والشريعة ، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة ، وإنما عمرت كنائس حوله ، وأن بني إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى ، فكان إفسادهم سببا في تسلط أعدائهم عليهم ، وخراب المسجد الأقصى ، وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذي أنكروا رسالته .

ثم إثبات دلائل تفرد الله بالإلهية ، والاستدلال بآية الليل والنهار وما فيهما من المنن على إثبات الوحدانية .

والتذكير بالنعم التي سخرها الله للناس ، وما فيها من الدلائل على تفرده بتدبير الخلق ، وما تقتضيه من شكر المنعم ، وترك شكر غيره ، وتنزيهه عن اتخاذ بنات له .

وإظهار فضائل من شريعة الإسلام وحكمته ، وما علمه الله المسلمين من آداب المعاملة نحو ربهم سبحانه ، ومعاملة بعضهم مع بعض . والحكمة في سيرتهم وأقوالهم ، ومراقبة الله في ظاهرهم وباطنهم .

وعن ابن عباس أنه قال : التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل ، وفي رواية عنه : ثمان عشرة آية منها كانت في ألواح موسى ، أي من قوله تعالى لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا إلى قوله ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا .

ويعني بالتوراة الألواح المشتملة على الوصايا العشر ، وليس مراده أن القرآن حكى ما في التوراة ، ولكنها أحكام قرآنية موافقة لما في التوراة .

[ ص: 9 ] على أن كلام ابن عباس معناه : أن ما في الألواح مذكور في تلك الآي ، ولا يريد أنهما سواء ; لأن تلك الآيات تزيد بأحكام ، منها قوله ربكم أعلم بما في نفوسكم إلى قوله لربه كفورا ، وقوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق . وقوله ولا تقربوا مال اليتيم إلى قوله ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ، مع ما تخلل ذلك كله من تفصيل وتبيين عريت عنه الوصايا العشر التي كتبت في الألواح ، وإثبات البعث والجزاء ، والحث على إقامة الصلوات في أوقاتها ، والتحذير من نزغ الشيطان وعداوته لآدم وذريته ، وقصة إبايته من السجود ، والإنذار بعذاب الآخرة . وذكر ما عرض للأمم من أسباب الاستئصال والهلاك ، وتهديد المشركين بأن الله يوشك أن ينصر الإسلام على باطلهم ، وما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين ، واستعانتهم باليهود ، واقتراحهم الآيات ، وتحميقهم في جهلهم بآية القرآن ، وأنه الحق .

وتخلل ذلك من المستطردات والنذر والعظات ما فيه شفاء ورحمة ، ومن الأمثال ما هو علم وحكمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية