الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا

عطف على آية من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الآية .

وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال ; زيادة على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم ، ولهذا اقتصر على قوله وما كنا معذبين دون أن يقال : ولا مثيبين ; لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة ، وليس مقام امتنان بالإرشاد .

والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق ، وقرينة عطف وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية ، ودلت على ذلك آيات كثيرة ، قال الله [ ص: 52 ] تعالى وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين ، وقال فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون على أن معنى ( حتى ) يؤذن بأن بعثة الرسول متصلة بالعذاب شأن الغاية ، وهذا اتصال عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدة للتبليغ ، والاستمرار على تكذيبهم الرسول ، والإمهال للمكذبين ، ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا ، وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها .

على أننا إذا اعتبرنا التوسع في الغاية صح حمل التعذيب على ما يعم عذاب الدنيا والآخرة .

ووقوع فعل معذبين في سياق النفي يفيد العموم ، فبعثة الرسل ; لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال .

ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم ، وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قومه ، فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله ، وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع ، فوجود الله ، وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله ، وعطل ، ولا عذر له بعد بعثة رسول .

وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول ( العقل ) تطوح عن استعمال اللغة ، وإغماض عن كونه مفعولا لفعل نبعث إذ لا يقال بعث عقلا بمعنى جعل ، وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل في سورة النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية