الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      ( فصل ) وأما العيون فتنقسم ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون مما أنبع الله تعالى ماءها ولم يستنبطه الآدميون فحكمها حكم ما أجراه الله تعالى من الأنهار ، ولمن أحيا أرضا بمائها أن يأخذ منه قدر كفايته ، فإن تشاحوا فيه لضيقه روعي ما أحيي بمائها من الموات ، فإن تقدم فيه بعضهم على بعض كان لأسبقهم إحياء أن يستوفي منها شرب أرضه ثم لمن يليه ، فإن قصر الشرب عن بعضهم كان نقصانه في حق الأخير ، وإن اشتركوا في الإحياء على سواء ولم يسبق به بعضهم بعضا تحاصوا فيه إما بقسمة الماء وإما بالمهايأة عليه .

                                      والقسم الثاني : أن يستنبطها الآدميون فتكون ملكا لمن استنبطها ويملك معها حريمها وهو على مذهب الشافعي معتبر بالعرف المعهود في مثلها ومقدر بالحاجة الداعية إليها .

                                      وقال أبو حنيفة : حريم العين خمسمائة ذراع ولمستنبط [ ص: 232 ] هذه العين سوق مائها إلى حيث شاء وكان ما جرى فيه ماؤها ملكا له وحريمه .

                                      والقسم الثالث : أن يستنبطها الرجل في ملكه فيكون أحق بمائها لشرب أرضه ; فإن كان قدر كفايتها فلا حق عليه فيه إلا لشارب مضطر ، وإن فضل عن كفايته ، وأراد أن يحيي بفضله أرضا مواتا فهو أحق به لشرب ما أحياه وإن لم يرده لموات أحياه لزمه بذله لأرباب المواشي دون الزرع كفضل ماء البئر ، فإن اعتاض عليه من أرباب الزرع جاز ، وإن اعتاض من أرباب المواشي لم يجز . ويجوز لمن احتفر في البادية بئرا فملكها أو عينا استنبطها أن يبيعها ، ولا يحرم عليه ثمنها . وقال سعيد بن المسيب وابن أبي ذئب لا يجوز له بيعها ويحرم ثمنها . وقال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد إن باعها لرغبة جاز ، وإن باعها لخلاء لم يجز وكان أقرب الناس إلى المالك أحق بها بغير ثمن ، فإن رجع الخالي فهو أملك لها .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية