الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفة دفنه ، عليه الصلاة والسلام ، وأين دفن ، وذكر الخلاف في دفنه ليلا كان أم نهارا

            قال ابن كثير : الصحيح المشهور عن الجمهور أنه- صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين ودفن يوم الأربعاء .

            وروى يعقوب بن سفيان عن أبي جعفر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار .

            قال ابن كثير : وهو قول غريب .

            وروى يعقوب أيضا عن مكحول قال : مكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث أيام لا يدفن قال ابن كثير : غريب ، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ، ويوم الثلاثاء بكامله ، ودفن ليلة الأربعاء ، وأغرب من ذلك ما رواه سيف من هشام أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفن يوم الثلاثاء ، والسبب في تأخير دفنه مع أن السنة الإعجال به عدم اتفاقهم على موته .

            وروى ابن سعد وابن ماجه ، وأبو يعلى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : لما فرغ من جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ، فقال قائل : ندفنه مع أصحابه بالبقيع ، وقال قائل : ادفنوه في مسجده .

            فقال أبو بكر : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض» فرفع فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي توفي عليه ، فحفروا له تحته
            .

            وروى أبو يعلى وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا العباس رجلين ، فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وكان يضرح لأهل مكة ، وقال لآخر : اذهب إلى أبي طلحة ، وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة ، وكان يلحد ، فقالوا : اللهم ، خر لرسولك ، فوجدوا أبا طلحة ، فجيء به ولم يوجد أبو عبيدة فلحد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسط الليل من ليلة الأربعاء ، ونزل في حفرته علي بن أبي طالب ، والفضل وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

            وقال أوس ابن خولي ، وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب : أنشدك الله ، وحظنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له علي : انزل ، وكان شقران مولاه أخذ قطيفة حمراء كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسها فدفنها في القبر وقال : والله ، لا يلبسها أحد بعدك أبدا ، فدفنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

            وروى ابن سعد عن أبي طلحة - رضي الله تعالى عنه- نحوه .

            وروى الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه- قال : سل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قبل رأسه .

            وروى الإمام أحمد ومسلم والترمذي وحسنه والنسائي وابن سعد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال :وضع تحت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قبره قطيفة حمراء .

            وروى ابن سعد قال وكيع : هذا للنبي- صلى الله عليه وسلم- خاصة .

            وروى ابن سعد - برجال ثقات- عن الحسن قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء » .

            وروى الترمذي وحسنه عن جعفر بن محمد عن أبيه- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- قال : الذي ألحد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبو طلحة ، والذي ألقى القطيفة تحته شقران .

            وروى ابن سعد عن الحسن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسط تحته سمل قطيفة حمراء كان يلبسها قال : وكانت أرضا ندية .

            وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه- قال في مرضه الذي توفي فيه : «ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

            وروى البيهقي عن بعضهم والواقدي عن علي بن الحسين أنه- صلى الله عليه وسلم- نصب عليه في اللحد تسع لبنات .

            وروى ابن سعد والبيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : رش على قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الماء رشا قال : وكان الذي رش على قبره الماء بلال بن رباح بقربة ، بدءا من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه ، ثم ضرب الماء إلى الجدار ، ولم يقدر على أن يدور من الجدار .

            وروى البيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء ، يصلي الناس عليه وسريره على شفير قبره ، فلما أرادوا أن يقبروه- عليه الصلاة والسلام- نحوا السرير قبل رجليه فأدخل من هناك .

            وروى ابن سعد والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : ما علمنا بدفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الثلاثاء في السحر .

            وروى البخاري وابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : لما دفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت فاطمة- عليها السلام- : يا أنس ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التراب .

            وروى طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وابن الجوزي في «الوفاء» عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- قال : لما رمس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاءت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينيها وبكت ، وأنشأت تقول :


            ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا     صبت علي مصائب لو أنها
            صبت على الأيام عدن لياليا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية